وسمع أبو نواس الحديث من حماد بن زيد وعبد الرحمن بن زياد . وعرض القرآن على يعقوب الحضرمي وأخذ اللغة عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة . ومدح الخلفاء والوزراء وكان شاعر عصره وترجمته في تاريخ بغداد - سبع ورقات .
وكان يقال : الشافعي شاعرٌ غلب عليه الفقه وأبو نواس فقيه غلب عليه الشعر .
وإنما قيل له : أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه ؟ حدث محمد بن كثير الصيرفي قال : دخلنا على أبي نواس الحسن بن هانئ في مرضه الذي مات فيه فقال له صالح بن علي الهاشمي : يا أبا علي أنت اليوم في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا وبينك وبين الله هناتٌ فتب إلى الله من عملك .
قال : فقال : إياي تخوف بالله ؟ ثم قال : أسندوني حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله A : إن لكل نبيٍّ شفاعةً وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أفترى لا أكون منهم وقال عبد الله بن صالح الهاشمي : حدثني من أثق به قال : رأيت أبا نواس في النوم وهو في نعمة كبيرة فقلت له : أبا نواس . قال : نعم . قلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي وأعطاني هذه النعمة . قلت : ومم ذاك وأنت كنت مخلطاً ؟ فقال : إليك عني جاء بعض الصالحين إلى المقابر في ليلةٍ من الليالي فبسط رداءه وصف قدميه وصلى ركعتين لأهل المقابر قرأ فيهما ألفي مرة " قل هو الله أحدٌ " وجعل ثوابها لأهل المقابر ؛ فغفر الله لأهل المقابر عن آخرهم فدخلت أنا في جملتهم .
قال أبو عبيدة : أبو نواس للمحدثين كامرئ القيس للأولين هو الذي فتح لهم هذه الطرق في الفطن ودلهم على هذه المعاني .
وقال أبو هفان : " إنما أفسد شعر أبي نواس المنحولات لأنها خلطت بشعره ونسبت إليه فأما ما يعرف من خالص شعره روايةً فإنه أحكم شعرٍ وأتقنه في معانيه وفنونه .
وقال النظام : كأنما كشف لأبي نواس عن معاني الشعر فقال أجوده واختار أحسنه .
قلت : أما قصائده فطنانة رنانة وأما بعض المقاطيع التي تقع له وغالبها في المجون فهي منحطةٌ عن طبقته وأراه كان بكر الزمان في المجون وخفة الروح وقد انفتح للناس بابٌ لم يعهدوه فكانوا إذا اجتمعوا في مجلس شراب وقد أخذت منه الخمر اقترحوا عليه شيئاً أو قال هو شيئاً مشى به الحال في ذلك الوقت فيخرج غير منقحٍ ولا منقى لم تنضجه الروية ولا هذبه التفكر لقلة مبالاته به ؛ فيدون عنه ويحفظ ويروى . فهذا هو السبب الذي أراه في انحلال بعض شعره .
وقيل إنه كان ليلة نائماً إلى جانب والبة بن الحباب فانتبه فرآه وقد انكشف استه وهي بيضاء حمراء فما تمالك أن قبلها فلما دنا منها أجابه بضرطة هائلة فقال : ويلك ما هذا ؟ فقال : لئلا يذهب المثل ضياعاً في قولهم : " ما جزاء من يقبل الأستاه إلا الضراط " .
وكان خفيف الروح نادم الأمين وكان المأمون يعيره بذلك ويقول في خراسان : من يكون أبو نواس نديمه لا يصلح للخلافة . ولو عاش أبو نواس إلى أن يدخل المأمون بغداد لناله منه سوءٌ .
وله أخبار وحكايات ومجاراةٌ مع شعراء عصره . وتوفي سنة ست أو سنة سبع أو سنة تسع وتسعين ومائة .
ومن شعره : من البسيط .
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء .
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجرٌ مسته سراء .
من كف ذات حرٍ في زي ذي ذكرٍ ... لها محبان لوظيٌّ وزناء .
قامت بإبريقها والليل معتكرٌ ... فظل من وجهها في البيت لألاء .
فأرسلت من فم الإبريق صافيةً ... كأنما أخذها بالعقل إغفاء .
رقت عن الماء حتى لا يلائمها ... لطافةً وجفا عن شكلها الماء .
ومنه : من الطويل .
وكأسٍ كمصباح السماء شربتها ... على قبلة أو موعدٍ بلقاء .
أتت دونها الأيام حتى كأنها ... تساقط نورٍ من فنون سماء .
ترى ضوءها من ظاهر الكأس ساطعاً ... عليك ولو غطيته بغطاء .
ومنه : من الطويل .
ألا دارها بالماء حتى تلينها ... فما تكرم الصهباء حتى تهينها .
أغالي بها حتى إذا ما ملكتها ... أهنت لإكرام النديم مصونها