وكان قد تزوج بامرأة لها منزلٌ باعه أمين الحكم وخلى من اشتراه له فتقدم قطنبة إلى الأمير علاء الدين وأنشده : من البسيط .
سبت فؤاد المعنى من تثنيها ... فتانةٌ كل حسن مجمع فيها .
إنسيةٌ مثل شمس الأفق قد بزغت ... وحشيةٌ في نفورٍ خوف واشيها .
منها : من البسيط .
قهرت بالجانب البحري طائفةً ... فول وجهك يا مولاي قبليها .
وانزل بأصفون واكشف عن قضيتها ... وكف كف شهود أصبحوا فيها .
عندي يتيمة تركيٍّ ظفرت بها ... لها من الله جدرانٌ تواريها .
تعاونوا مع أمين الملك واغتصبوا ... أخفوا وثائق فحوى خطهم فيها .
حتى أبيعت عليها نصف حصتها ... ما حيلتي وأمين الحكم شاريها .
ما زلت أفحص عن تلك الوثائق يا ... مولاي حتى أبان الله خافيها .
وها هي الآن عندي وهي ثابتة ... فامض الولاية فيمن كان يؤذيها .
ومات له صاحبان كانا خصيصين به فقال الشهاب أحمد بن أبي الحسين الأصفوني : ما لقطنبة تأخر عنهما ؟ فبلغه ذلك فقال : من الخفيف .
ما تأخرت عنكما عن ملالٍ ... غير أني أروم صيد الشهاب .
فأنا مثل فارس البحر لا ب ... د بظفري أصيده أو بنابي .
وكان قد وقع بينه وبين نجم الدين بن يحيى الأرمنتي فهجاه بقصيدة منها : من الخفيف .
يا إلهي أرحتها منه في الحك ... م أرحها من ابنه في الخطابه .
فقال له الخفراء : يا قطنبة الياسرية جاءوا من أرمنت يريدون قتلك أرسلهم ابن يحيى وما نقدر على ردهم انج بنفسك .
فخرج من أصفون ولم يعرف له خبرٌ . والله أعلم .
الشيخ نجن الدين الصفدي .
الحسن بن محمد الشيخ الإمام الفاضل نجم الدين أبو محمد ابن الشيخ كمال الدين القرشي القرطبي الكركي المولد الصفدي .
كان بصفد والده خطيب القلعة وكان ينوب عن والده وكان يكتب الإنشاء بصفد ويوقع بين يدي النواب فلما قدم الأمير سيف الدين بتخاص - المذكور في حرف الباء - إلى صفد حضر معه الشيخ شهاب الدين بن غانم المذكور في حرف الأحمدين . وكان زين الدين عمر بن حلاوات قد قدمه الشيخ نجم الدين وجعله يكتب عنده فما زال يسعى إلى أن وقع الاتفاق بينهما وبين القاضي شرف الدين حاكم صفد وغيره وقرروا الأمر مع النائب وقطع الشيخ نجم الدين من التوقيع وبقي بيده خطابة الجامع .
ثم إنهم ضاروه حتى توجه إلى دمشق خفيةً وكان الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار بدمشق يومئذ مشد الدواوين وله به معرفة من صفد فاستخدمه في كتاب الإنشاء بدمشق وكتب قدامه .
وكان القاضي محيي الدين بن فضل الله يأمن إليه ويقدمه ويستكتبه عنده في السر وغيره وكان بيده خطابة جامع جراح بدمشق .
ولما أتى الأمير سيف الدين كراي إلى دمشق نائباً كان يعرفه من صفد ويركن إلى أمانته فقلده الأمر وعذقه به فتعب تعباً مفرطاً ونصح مخدمه فعادى الدماشقة ومقتوه فلما أمسك كراي اختفى فسلمه الله .
ثم إنه عاد إلى صفد خطيباً وموقعتاً وكان زين الدين بن حلاوات قد انفرد بالأمر فدخل إلى النائب وقرر معه ما أراد فلم يمكن نجم الدين من مباشرة شيء فبقي في صفد إلى أن حضر له توقيعٌ ثانٍ وكلما حضر شيءٌ يسعى في تعطيله إلى أن أشركوا بينهما في الوظيفتين .
فأقاما مدة ووقع بينهما فطلبا إلى دمشق وقرر الأمير سيف الدين تنكز أن يخيرا كل واحد ينفرد بوظيفته فاختار الشيخ نجم الدين خطابة القلعة والجامع بالمدينة واستقر زين الدين بن حلاوات في التوقيع .
ولم يزل خطيباً إلى أن توفي فجاءةً في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ولم تسمع أذناي خطيباً أفصح منه ولا أعذب عبارةً ولا أصح أداءً كأنه يقرأ الخطبة تجويداً لمخارج الحروف . وكان لكلامه في الخطابة وقعٌ في السمع وأثرٌ في القلب .
وتخرج به جماعةٌ فضلاء وقل من قرأ عليه ولم يتنبه ولم أر مثله في مبادئ التعليم كان يفتق ذهن المشتغل ويوضح له طرق الاشتغال ولم أر مثله في تنزيل قواعد النحو على قواعد المنطق وكان يحب فساد الحدود والرد عليها والجواب عنها