أتذكر إذ تقول لضيق عيشٍ ... ألا موتٌ يباع فأشتريه .
فلما وقف عليها تذكره وأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته : " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ " ثم دعا به وخلع عليه وقلده عملاً .
ولما ترقت به الحال قال : من مجزوء الكامل .
رق الزمان لفاقتي ... ورثى لطول تقلقي .
فأنالني ما أرتجي ... ه وحاد عما أتقي .
فلأصفحن عنا أتا ... ه من الذنوب السبق .
حتى جانيه بما ... صنع المشيب بمفرقي .
ومن شعره أيضاً : من الخفيف .
قال لي من أحب والبين قد ج ... د وفي مهجتي لهيب الحريق .
ما الذي في الطريق تصنع بعدي ... قلت أبكي عليك طول الطريق .
قال أبو إسحاق الصابي صاحب الرسائل : كنت يوماً عند الوزير المهلبي فأخذ ورقةً وكتب فيها فقلت بديهاً : من البسيط .
له يدٌ برعت جوداً بنائلها ... ومنطقٌ دره في الطرس ينتثر .
فحاتم كامنٌ في بطن راحته ... وفي أناملها سحبان يستتر .
ومن شعره : من البسيط .
الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... فكيف يصنع من بالقرض يحتال .
فهاك خطي فخذه منك تذكرةً ... إلى اتساع فلي في الغيب آمال .
ومنه : من الوافر .
أتاني في قميص اللاذ يسعى ... عدوٌّ لي يلقب بالحبيب .
فقلت له فديتك كيف هذا ... بلا واشٍ أتيت ولا رقيب .
فقال الشمس أهدت لي قميصاً ... كلون الشمس في شفق الغروب .
فثوبي والمدام ولون خدي ... قريبٌ من قريبٍ من قريب .
ومنه : من المنسرح .
تطوي بأوتارها الهموم كما ... تطوي دجى الليل بالمصابيح .
ثم تغنت فخلتها سمحت ... بروحها خلعةً على روحي .
كان أبو النجيب شداد بن إبراهيم الجزري الشاعر الملقب بالطاهر كثير الملازمة للوزير المهلبي فاتفق أن غسل ثيابه وأنفذ يدعوه فاعتذر إليه فلم يقبله . وألح في استدعائه فكتب إليه : من السريع .
عبدك تحت الحبل عريان ... كأنه لا كان شيطان .
يغسل أثواباً كأن البلى ... فيها خليطٌ وهي أوطان .
أرق من ديني وإن كان لي ... دينٌ كما للناس أديان .
كأنها حالي من قبل أن ... يصبح عندي لك إحسان .
يقول من يبصرني معرضاً ... فيها وللأقوال برهان .
هذا الذي قد نسجت فوقه ... عناكب الحيطان إنسان .
فأنفذ إليه جبةً وقميصاً وعمامةً وسراويل وخمسمائة درهم وقال : " أنفذت إليك ما تلبسه ولا تدفعه إلى الخياط فإن كنت غسلت التكة واللالكة ؛ عرفني لأنفذ لك عوضهما " .
ومن شعر الوزير : من الطويل .
تصارمت الأجفان لما صرمتني ... فما تلتقي إلا على عبرة تجري .
قلت : شعر جيد إلى الغاية .
وتوفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة في طريق واسط وحمل إلى بغداد . وطول ياقوت ترجمته وأورد جملةً من أخباره وشعره .
ابن جدا الهيتي .
الحسن بن محمد بن عبد المحسن بن أحمد بن عبد الوارث بن الطيب بن جدا - بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة وبعدها ألف - كذا وجدته مضبوطاً أبو علي بن أبي سعد الشاعر من أهل هيت . قدم بغداد مراتٍ وروى بها شيئاً من شعره . وتوفي سنة تسع وسبعين وخمسمائة .
ومن شعره : من الطويل .
أرى عزماتي نحو أرضٍ بعيدة ... ولا بد من أن أجعل البعد لي قربا .
فإما أنال الخير في ذاك عاجلاً ... فأنظره بالعين أو أسكن التربا .
ومنه : من الكامل .
وجميع من فيه ذكاً وكياسةٌ ... صرف الزمان موكلٌ بعناده .
ويسوؤه الدهر الخؤون بفعله ... ومجاري الأفلاك ضد مراده .
قلت : شعر نازل .
أبو علي بن عبدوس الواسطي