أسمعه أبوه في صباه من محمد بن عبيد الله بن الزاغوني والشريف أحمد ابن محمد بن جعفر العباسي ومحمد بن أحمد بن البطي ومحمد بن محمد ابن اللحاس وغيرهم . وسمع بعد علو سنه كثيراً وقرأ بنفسه وكتب كثيراً من كتب الحديث واللغة والأدب وحصل الأصول الملاح بخطوط الفضلاء . وكانت له همة وافرة في ذلك وخطه مليح .
وقرأ الأدب على أبي محمد بن الجواليقي وأبي الحسن بن العصار وكان أديباً فاضلاً حسن الأخلاق .
قال محب الدين بن النجار : كتبت عنه وكان يتشيع وما رأيت شيعياً أعقل منه ولا أقل كلاماً .
وولي النظر بديوان الأبنية مدة ثم البيمارستان العضدي ثم عطل مدة ثم رتب كاتباً بديوان المجلس إلى أن توفي سنة ثمان وستمائة بالمدائن .
ومن شعره : من مخلع البسيط .
نار عقارٍ وبرد ريق ... قد جمعا لذة المشوق .
في ليلةٍ طالت الليالي ... قصرها البدر بالطروق .
ومنه : من الطويل .
ألا ليت حظي منك في حال يقظتي ... كما كان حظي منك عند منامي .
عناق قضيبٍ فوقه قمر الدجى ... وتقبيل درٍ وارتشاف مدام .
أبو محمد الصلحي الكاتب .
الحسن بن محمد الصلحي أبو محمد الكاتب . كان من الأعيان ببغداد تصرف في عدة أعمال للسلطان تولى الكتابة لابن رائق الأمير وخلفه على الحضرة مدة ولايته ثم تولى الكتابة للإمام المطيع على ضياعه وداره .
روى عنه القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي في كتاب النشوار توفي في سنة ستٍ وسبعين وثلاثمائة .
الوزير المهلبي .
الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون أبو محمد الوزير المهلبي من ولد المهلب بن أبي صفرة كاتب معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه . ولما مات الصيمري قلده معز الدولة مكانه سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وقربه وأدناه واختص به وعظم جاهه عنده .
وكان يدبر أمر الوزارة للمطيع من غير تسميةٍ بوزارة ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة ولقبه المطيع بالوزارة ودبر الدولتين .
وكان ظريفاً نظيفاً قد أخذ من الأدب بحظٍ وافر وله همة كبيرة وصدرٌ واسع وكان جماعاً لخلال الرياسة صبوراً على الشدائد .
وكان أبو الفرج الأصبهاني وسخاً في ثوبه ونفسه وفعله ؛ فواكل الوزير المهلبي على مائدته وقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة فبدرت من فمه قطعة بلغم سقطت في وسط الصحن فقال أبو محمد : ارفعوا هذا وهاتوا من هذا اللون في غير هذا الصحن . ولم يبن في وجهه استكراه ولا داخل أبا الفرج حياءٌ ولا انقباضٌ .
وكان من ظرف الوزير المهلبي إذا أراد أكل شيء من أرز بلبن وهرايس وحلوى رقيق وقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقةً زجاجاً مجروداً ؛ فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه ويأكل بها لقمة واحدة ويدفعها إلى الذي على يساره ؛ لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعةً ثانيةً .
ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة والأخرى لطيفة خاصة يؤاكله عليها من يدعوه إليها .
وعلى صنعه بأبي الفرج ما كان يصنعه ما خلا من هجوه ؛ فإنه قال : من الكامل .
أبعين مفتقرٍ إليك رأيتني ... فأهنتني وقذفتني من حالق .
لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق .
وقد روى تاج الدين الكندي هذين لأبي الطيب المتنبي والله أعلم لمن هما .
وكان قبل وزارته قد سافر مرةً ولقي في سفره مشقة شديدة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه وكان معه رفيق يقال له : أبو عبد الله الصوفي وقيل أبو الحسن العسقلاني ؛ فقال المهلبي ارتجالاً : من الوافر .
ألا موتٌ يباع فأشتريه ... فهذا العيش مالا خير فيه .
ألا موتٌ لذيذٌ الطعم يأتي ... يخلصني من الموت الكريه .
إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ ... وددت بأنني مما يليه .
ألا رحم المهيمن نفس حرٍ ... تصدق بالوفاة على أخيه .
فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهمٍ لحماً وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت الأحوال بالمهلبي وولي الوزارة وضاقت الأحوال برفيقه الصوفي فقصده وكتب إليه : من الوافر .
ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقالة مذكرٍ ما قد نسيه