ثم إن حسناً المذكور مات طريداً غريباً لأن الملك المسعود بن الكامل بن أيوب استولى على مكة وهرب حسنٌ المذكور إلى بغداد ومرض بها . وكان يرى أباه في النوم يجيء إليه ويضع يده في خناقه فينتبه مذعوراً ويسمعه من في البيت وهو يقول : بالله لا تفعل وهو كالمتخبط وكان في الزقاق الذي سكن فيه امرأةٌ مشهورة بالصلاح فسأل أن يحمل إليها على سرير فلما حصل بين يديها قال لها : أريد منك دعوةً وأنا على مفارقة الدنيا قالت : وما هي ؟ قال : أن يغفر الله لي فقد قتلت أبي وسفكت دماء الحجاج في الحرم وصلبت أميرهم في المسعى وعصيت الخليفة وقطعت السبل وظلمت الخلق وما صليت للخالق ركعة قط .
قال الريحاني : فضرطت بملء فيها . فقال : ما هذا وأين الذي شهر منك الصلاح ؟ فقالت له : كل شيء في مكانه مليحٌ . فقال : احملوني فأنا الجاهل الذي حسبت أنه يجيء من نساء بغداد صالحةٌ أبداً . ومات سنة ثلاث وعشرين وستمائة . ثم إن أخاه استولى بعد ذلك على ملك مكة .
الأمير الطائي .
حسن بن قحطبة بن شبيب الطائي كان أميراً من أكبر قواد الرشيد وكان من رجالات الناس توفي سنة إحدى وثمانين ومائة .
الأمير فتح الدين .
حسن بن كر الأمير الكبير فتح الدين البغدادي من أكبر الزعماء . كان موصوفاً بالكرم والشجاعة وأصالة الرأي ما أكل شيئاً إلا تصدق بمثله وكان يحب الفقراء . استشهد في ملتقى هولاكو سنة ست وخمسين وستمائة .
أبو العالية الشامي .
الحسن بن مالك أبو العالية الشامي مولي العميين وبنو العم قومٌ من فارس نزلوا البصرة في بني تميم أيام عمر بن الخطاب وأسلموا وغزوا مع المسلمين فحمدوا بلاءهم فقالوا لهم : أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخوتنا وأهلنا وأنتم الأنصار وبنو العم . فلقبوا بذلك .
ونزل أبو العالية البصرة ثم قدم بغداد فأدب العباس بن المأمون .
وكان أديباً شاعراً راويةً من أصحاب الأصمعي . وكان إذا جالس الأصمعي أو غيره وتكلم معه انتصف منه وزاد عليه .
ومن شعره : من الطويل .
ولو أنني أعطيت من دهري المنى ... وما كل من يعطى المنى بمسدد .
لقلت لأيامٍ مضين ألا ارجعي ... وقلت لأيام أتين ألا ابعدي .
حدث المبرد قال : قال الجماز لأبي العالية : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت على غير ما يحب الله وغير ما أحب أنا وغير ما يحب إبليس لأن الله D يحب أن أطيعه ولا أعصيه ولست كذلك . وأنا أحب أن أكون على غير الجدة والثروة ولست كذلك . وإبليس يحب أن أكون منهمكاً في المعاصي واللذات ولست كذلك .
ومن شعره : من المنسرح .
أذم بغداد والمقام بها ... من بعد ما خبرة وتجريب .
ما عند سكانها لمختبطٍ ... رفدٌ ولا فرجةٌ لمكروب .
قومٌ مواعيدهم مطرزةٌ ... بزخرف القول والأكاذيب .
خلوا سبيل العلا لغيرهم ... ونازعوا في الفسوق والحوب .
يحتاج راجي النوال عندهم ... إلى ثلاثٍ من بعد تعذيب .
كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوحٍ وصبر أيوب .
الحسن بن المبارك بن الخل .
الحسن بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل أبو الحسين بن أبي البقاء الشاعر أخو أبي الحسن محمد المقدم ذكره في المحمدين .
كان شاعراً ظريفاً رشيق القول مليح المعاني . مدح وهجا وتنوع في قول الشعر وقال الدوبيت وحدث بشيء يسير . وسماه أبو سعد بن السمعاني أحمد .
قال محب الدين بن النجار : روى شعره أبو بكر بن كامل الخفاف وأبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي في معجم شيوخهما وكلهم سماه : الحسن . ورأيت بخطه : وكتب الحسن . وتوفي فجاءة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة .
ومن شعره : من مجزوء الرمل .
روحا روحي براحي ... عوض الماء القراح .
وادركاني بالأغاني ... قبل إدراك الصباح .
فهو يومٌ قد بدت ... فيه أمارات الفلاح .
يوم لهوٍ وفنون ... من مجون ومزاح .
سيما والغيم قد أقب ... ل من كل النواح .
واستغاث الماء قي دج ... لة من جور الرياح .
ودعا عذلكما لي ... في فسادي أو صلاحي