يرجى ويخشى فالمنية والمنى ... مقرونتان بصحفه وصفاحه .
سمحٌ لو أن الغيث كلم قبله ... بشراً لعنفه لفرط سماحه .
هو بحر جودٍ فابتعد عن لجه ... لا يغرقنك وادن من ضحضاحه .
وقال يمدح زين الدين أتابك : من الطويل .
أعن لؤلؤٍ رطبٍ تبسمت أم ثغر ... ومن ريقةٍ أسكرتني أم من الخمر .
وعطفك تيهاً ماس أم خوط بانةٍ ... وطرفك أم هاروت ينفث بالسحر .
فعنك نهاني لائمي ولو أنه ... يحاول نصحي بدل النهي بالأمر .
وها أنذري إن كنت ناذرةً دمي ... لديك ويا شوقي إلى ذلك النذر .
وإني لأهوى أن تبوئي بقتلتي ... ليبعثني خصماً لك الله في الحشر .
قلت هذا يشبه قول ابن رواحة الحموي : من مخلع البسيط .
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب .
وقال الساسكوني يهجو عروضياً نحوياً : من المنسرح .
لا تنكروا ما ادعى فلانٌ من الش ... عر إذا قال إنه شاعر .
فالنحو ثم العروض قد شهدا ... له على الشعر أنه قادر .
يقصر ممدوده ويرفعه ... في الجر نصب الغرمول في الآخر .
يريك وهو البسيط دائرةً ... تجمع بين الطويل والوافر .
وقال في طراحة فيروزها أخضر : من الخفيف .
أنا أرضٌ تغار مني السماء ... إذ يطاني بأخمصيه البهاء .
فاض من كفه الندى فاستدارت ... في حواشي روضةٌ خضراء .
وقال وقد ناوله مليحٌ خاتماً بفص عقيق ولوزاتٍ : من السريع .
وأهيف ناولني خاتماً ... فخلته ناولني فاه .
كأنما الفص ولوزاته ... لسانه بين ثناياه .
وفضل فيه أنه خاتمٌ ... من فضةٍ صياغه الله .
وقال : من السريع .
قد جبل الجبول من راحةٍ ... فليس يعرو ساكنيها هموم .
كأنما الماء وأطياره ... فيه سماءٌ زينت بالنجوم .
كأن سود الطير في بيضها ... خليط جيشٍ بين زنجٍ وروم .
الشيخ بدر الدين بن هود .
الحسن بن علي أبو علي بن عضد الدولة أبي الحسن أخي المتوكل على الله ملك الأندلس أبي عبد الله محمد ابني يوسف بن هود الجذامي .
أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال : رأيته بمكة وجالسته وكان يظهر منه الحضور مع من يكلمه ثم تظهر الغيبة منه . وكان يلبس نوعاً من الثياب مما لم يعده لبس مثله بهذه البلاد وكان يذكر أنه يعرف شيئاً من علوم الأوائل . وكان له شعر أنشدنا له أبو الحكم بن هاني صاحبنا ؛ قال : أنشدنا أبو علي الحسن بن عضد الدولة لنفسه : من البسيط .
خضت الدجنة حتى لاح لي قبسٌ ... وبان بان الحمى من ذلك القبس .
فقلت للقوم هذا الربع ربعهم ... وقلت للسمع لا تخلو من الحرس .
وقلت للعين غضي عن محاسنهم ... وقلت للنطق هذا موضع الخرس .
وقال الشيخ شمس الدين هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة .
مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية . وكان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليقة الملقب بالمتوكل . حصل له زهدٌ مفرط وفراغٌ عن الدنيا وسكرةٌ عن ذاته وغفلة عن نفسه فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وزهديات الصوفية وخلط هذا بهذا وحج ودخل اليمن وقدم الشام .
وكان ذا هيبة وشيبة وسكون وفنون وتلامذة وزبون وعلى رأسه قبع دلك وعلى جسده دلق . كان غارقاً في الفكر عديم اللذة متواصل الأحزان فيه انقباضٌ عن الناس .
وحمل مرة إلى والي البلد وهو سكران أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظن وسرحه ؛ سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا منه بذلك