قال ابن يعيش النحوي : كان لأبي نزار غلامٌ سيئ العشرة قليل المبالاة بمولاه ؛ أرسله يوماً في حاجة وأبطأ عليه وجاء بغير عذر جميل وكان بحضرته جماعةٌ من أصحابه وتلاميذه فغضب أبو نزار وخرج عن حد الوقار وقال له : ويلك أخبرني ما سبب قلة مبالاتك بي ؟ أنكتك قط ؟ فبادر الغلام وقال عجلا : لا والله يا مولاي معاذ الله أن تفعل ذلك . قال : ويلك فنكتني قط فحرك الغلام رأسه بتعجب من كلامه وسكت . فقال ملك النحاة : أدركني ويلك بالجواب فما هذا موضع السكوت لا رعاك الله يا ابن الفاعلة عجل قل ما عندك قال : لا والله قال : فما السبب في أنك لا تقبل قولي ولا تسرع في حاجتي ؟ فقال له : إن كان سبب الانبساط لا يكون إلا هذين فأعدك ألا أعود لما تكره .
وكان ملك النحاة مطبوعاً متناسب الأحوال والأفعال يحكم على أهل التمييز بحكم ملكه فيقبل ولا يستثقل وكان يقول : هل سيبويه إلا من رعيتي ولو عاش ابن جني لم يسعه إلا حمل غاشيتي . مر الشتيمة حلو الشيمة . يضم يده على المائة والمائتين ويمشي وهو منها صفر اليدين مولعٌ باستعمال الحلاوات السكرية وإهدائها إلى جيرانه .
وخلع عليه نور الدين محمود يوماً خلعةً سنيةً فمضى بها إلى منزله فرأى في طريقه حلقةً مجموعة على تيس يخرج الخبايا فلما وقف عليه للفرجة قال معلم التيس : قد وقف في حلقتي رجلٌ عظيم القدر شائع الذكر ملك في زي سوقة أعلم الناس وأكرمهم وأجملهم فأرني إياه . فشق ذلك التيس الناس وخرج حتى وضع يده على ملك النحاة ؛ فلم يتمالك أن ألقى عليه تلك الخلعة فبلغ ذلك نور الدين فعاتبه وقال : استخفافا فعلت هذا بخلعتنا فقال : عذري في ذلك واضحٌ لأن في هذه المدينة زيادةً على مائة ألف تيس فما فيهم من عرفني إلا هذا التيس فجازيته على ذلك . فضحك نور الدين منه .
وكان إذا ذكر أحدٌ من النحاة ؛ يقول : كلبٌ من الكلاب فقال له رجل يوماً : فحينئذ أنت ملك الكلاب لست ملك النحاة . فاستشاط غضباً وقال : أخرجوا عني هذا الفضولي .
وعضت يده يوماً سنورة فربطها بمنديل فقال فتيان بن علي بن فتيان النحوي الأسدي : من المتقارب .
عتبت على قط ملك النحاة ... وقلت أتيت بغير الصواب .
عضضت يداً خلقت للندى ... وبث العلوم وضرب الرقاب .
فأعرض عني وقال اتئد ... أليس القطاط أعادي الكلاب .
فبلغته فاستحيى فتيان وانقطع عنه فكتب إليه ملك النحاة جواباً عن أبيات يعتذر فيها : من الخفيف .
يا خليلي نلتما النعماء ... وتسنمتما العلا والعلاء .
ألمما بالشاغور بالمسجد المه ... جور واستمطرا له الأنواء .
امنحا صاحبي الذي كان فيه ... كل يومٍ تحيةً وثناء .
ثم قولا له اعتبرنا الذي فه ... ت به مادحاً فكان هجاء .
وقبلنا فيه اعتذارك عما ... قاله الجاهلون عنك افتراء .
وقال فتيان : رأيته بعد موته في النوم فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : أنشدته قصيدةً ما في الجنة مثلها فتعلق بحفظي منها : من المنسرح .
يا هذه أقصري عن العذل ... فلست في الحل ويك من قبلي .
يا رب ها قد أتيت معترفاً ... بما جنته يداي من زلل .
ملآن كفٍ بكل مأثمةٍ ... صفر يدٍ من محاسن العمل .
فكيف أخشى ناراً مسعرةً ... وأنت يا رب في القيامة لي .
قال : فو الله منذ فرغت من إنشادها ما سمعت حسيس النار .
ومن شعره : من الكامل .
يا ابن الذين نرفعوا في مجدهم ... وعلت أخامصهم فروع شمام .
أنا عالم ملكٌ بكسر اللام في ... ما أدعيه لا بفتح اللام .
الهمداني الكوفي العابد .
الحسن بن صالح بن حي الفقيه أبو عبد الله الهمداني الكوفي العابد أخو علي بن صالح .
قال أبو زرعة : اجتمع في الحسن بن صالح : إتقانٌ وفقه وعبادة وزهد وكان وكيعٌ يعظمه ويشبهه بسعيد بن حبير .
وقال عبدة بن سليمان : إني لأرى أن الله يستحي أن يعذب الحسن ابن صالح .
وقال ابن عدي : لم أر له حديثاً منكراً .
وقال أحمد بن حنبل : ثقة . وكان يرى السيف . وكان من كبار الفقهاء له أقوال تحكى في الخلافيات .
روى له مسلم والأربعة . توفي سنة سبع وستين ومائة