وقد وقفت على هذه المصنفات والرسائل المذكورة جميعها فوجدتها تدل على تبحره في الأدب واطلاعه على كلام الناس ونقله لواد هذا الفن وتبحره في النقد . وله كتاب شذوذ اللغة يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها .
ومن شعره : من الوافر .
أحب أخي وإن أعرضت عنه ... وقل على مسامعه كلامي .
ولي في وجهه تقطيب راضٍ ... كما قطبت في وجه المدام .
ورب تقطبٍ من غير بغضٍ ... وبغضٍ كامنٍ تحت ابتسام .
ومنه : من المتقارب .
إذا ما خففت معهد الصبا ... أبت ذلك الخمس والأربعونا .
وما ثقلت كبراً وطأتي ... ولكن أجر ورائي السنينا .
ومنه : من الطويل .
وقائلةٍ ماذا الشحوب وذا الضنى ... فقلت لها قول المشوق المتيم .
هواك أتاني وهو ضيفٌ أعزه ... فأطعمته لحمي وأسقيته دمي .
ومنه : من الكامل .
ذمت لعينك أعين الغزلان ... قمرٌ أقر لحسنه القمران .
ومشت فلا والله ما حقف النقا ... مما أرتك ولا قضيب البان .
وثن الملاحة غير أن ديانتي ... تأبى علي عبادة الأوثان .
منها في المديح : من الكامل .
يا ابن الأعزة من أكابر حميرٍ ... وسلالة الأملاك من قحطان .
من كل أبلج آمرٍ بلسانه ... يضع السيوف مواضع التيجان .
ومنه : من السريع .
في الناس من لا يرتجى نفعه ... إلا إذا مس بإضرار .
كالعود لا يطمع في طيبه ... إلا إذا أحرق بالنار .
ومنه : من السريع .
أقول كالمأسور في ليلة ... ألقت على الآفاق كلكالها .
يا ليلة الهجر التي ليتها ... قطع سيف الهجر أوصالها .
ما أحسنت جملٌ ولا أجملت ... هذا وليس الحسن إلا لها .
ومنه : من الطويل .
ومن حسنات الدهر عندي ليلةٌ ... من العمر لم نترك لأيامها ذنبا .
خلونا بها تنفي القذى عن عيوننا ... بلؤلؤة مملوءة ذهباً سكبا .
وملنا لتقبيل الثغور ولثمها ... كمثل جناح الطير يلتقط الحبا .
قال الأيبوردي : هذا أحسن من قول ابن المعتز : من المنسرح .
كم من عناقٍ لنا ومن قبل ... مختلسات حذار مرتقب .
نقر العصافير وهي خائفةٌمن النواطير يانع الرطب .
قلت : مقام ابن المعتز غير مقام ابن رشيق لأن ابن رشيق ذكر : أنه في ليلة أمنٍ وهي عنده من حسنات الدهر فلهذا حسن تشبيه التقبيل مع الأمن بالتقاط الطير الحب لأنه يتوالى دفعةً بعد دفعةٍ وأما ابن المعتز فإنه كان خائفاً يختلس التقبيل ويسرقه كما يفعل العصفور في نقر الرطب اليانع لأنه يقدم جازعاً خائفاً من الناطور فلا يطمئن فيما يلتمسه ؛ ألا ترى الآخر كيف قال فأحسن : من مجزوء الوافر .
أقبله على جزعي ... كشرب الطائر القزع .
رأى ماءً فواقعه ... وخاف عواقب الطمع .
ومن شعر ابن رشيق : من مجزوء الكامل .
قد حلمت مني التجا ... رب كل شيء غير جودي .
أبدا أقول لئن كسب ... ت لأقبضن يدي شديد .
حتى إذا أثريت عد ... ت إلى السماحة من جديد .
إن المقام بمثل حا ... لي لا يتم مع القعود .
لا بد لي من رحلة ... تدني من الأمل البعيد .
ومنه : من الطويل .
معتقةٌ يعلو الحباب متونها ... فتحسبه فيها نثير جمان .
رأت من لجينٍ راحةً لمديرها ... فطافت له من عسجدٍ ببنان .
وأخذ الأدب ابن رشيق من أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز القيرواني النحوي وغيره من أهل قيروان .
الحافظ العسكري المصري .
الحسن بن رشيق : أبو محمدٍ العسكري عسكر مصر المعدل الحافظ . روي عن النسائي وغيره وكان محدث الديار المصرية في عصره . توفي في سنة سبعين وثلاثمائة .
وروى ابن رشيق عن أحمد بن حمادٍ وأحمد بن إبراهيم أبي دجانة المعافري والمفضل بن محمد الجندي وعلي بن سعيد ويموت بن المزرع وخلقٍ