قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوَّهم ... أو حاولوا النَّفع في أشياعهم نفعوا .
إن كان في النّاس سبّاقون بعدهم ... فكلُّ سبقٍ لأدنى سبقهم تبع .
سجيَّة تلك منهم غير محدثةٍ ... إن الخلائق يوماً شرُّها البدع .
لا يرقع النَّاس ما أوهت ألفَّهم ... عند الدِّفاع ولا يوهون ما رتعوا .
أعفَّةٌ ذكرت في الوحي عفَّتهم ... لا يطمعون ولا يزرى لهم طمع .
ولا يضنّون عن جارٍ بفضلهم ... ولا يمسُّهم من مطمع طبع .
يسمون للحرب تبدو وهي كالحةٌ ... إذا الزَّعانف في أظفارها خشعوا .
لا يفرحون إذا نالوا عدوَّهم ... وإن أصيبوا فلا خورٌ ولا جزع .
كأنهم في الوغى والموت مكتنعٌ ... أسود بيشة في أرساغها قدع .
خذ منهم ما أتوا عفواً وإن غضبوا ... فلا يكن همُّك الأمرالذي منعوا .
فإنّ في حربهم فاترك عداوتهم ... سمّاً يخاض عليه الصّاب والسَّلع .
أكرم بقومٍ رسول الله قائدهم ... إذا تفرّقت الأهواء والشِّيع .
أهدى لهم مدحي قلبٌ يؤازره ... فيما أراد لسانٌ حائكٌ صنع .
إنهم أفضل الأحياء كلِّهم ... إن جدَّ بالبأس جدّ القول أو سمعوا .
أتيناك كيما يعلم النسا فضلنا ... إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسم .
بأنّا فروع الناس في كلِّ موطنٍ ... وأن ليس في ارض الحجاز كدارم .
فقام حسّان فقال : من الطويل .
منعنا رسول الله من غضب له ... على أنف راضٍ من معدٍّ وراغم .
هل المجد إلاّ السؤدد الفرد والندى ... وجار الملوك واحتمال العظائم .
فقال الأقرع بن حابس : والله إن هذا الرجل لمؤتَّى له والله لشاعره أشعر من شاعرنا ولخطيبه أمهر من خطيبنا وأصواتهم أرفع من أصواتنا . أعطني يا محمد فأعطاه فقال : زدني فزاده فقال اللهم إنه سيّد العرب فنزلت فيهم إنَّ الذين ينادونك من وراء الحجرات ثم إن القوم أسلموا . وقال أبو عبيدة : فضل حسان الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي A في الإسلام وشاعر اليمن كلها وكان أشعر أهل المدن . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام سنة أربع وخمسين وتوفي حكيم بن حزامٍ وحويطب بن عبد العزَّى وسعيد بن يربوع المخزومي وحسَّان بن ثابتٍ قال ويقال إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ كل واحد منهم عشرين ومائة سنة وقال الشيخ شمس الدين : بلغنا أن حسّاناً وأباه وجدّه وجدّ أبيه عاش كل منهم مئة وعشرين سنة .
ومن شعر حسّان Bه : من الكامل .
أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل .
فالمرج مرج الصفَّرين فجاسمٍ ... فديار لسمى درَّساً لم تحلل .
أقرى فعطَّل منهم فكأنه ... بعد البلى أي الكتاب المنزل .
دمنٌ تعفَّتها الرياح دوارسٌ ... والمدجنات من السِّماك الأعزل .
فالعين عانيةٌ تفيض دموعها ... لمنازلٍ درست وإن لم تؤهل .
دارٌ لقومٍ قد أراهم مرةً ... فوق الأعزّة عزُّهم لم ينقل .
لله درُّ عصابةٍ نادمتهم ... يوماً بجلَّق في الزمان الأول .
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل .
يسقون منورد البريض عليهم ... بردى يصفَّق بالرَّحيق السَّلسل .
يسقون درياق المدام ولم تكن ... تدعى ولائدهم لنقف الحنظل .
يغشون حتى ما تهرّ قلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل .
بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم ... شمُّ الأنوف من الطراز الأول .
يمشون لي الحلق المضاعف نسجه ... مشي الجمال إلى الجمال البزَّل .
والخالطون فقيرهم بغنيَّهم ... والمنعمون على الضعيف المرمل