ما ضرب الجوّاس إلا فجاءةً ... على غفلةٍ من عينه وهو نائم .
فإلاّ تعجّلني المنية نصطبح ... بكأسك حصناكم حصينٌ وعاصم .
ويعط بنو سفيان ما شئت عنوةً ... كما كنت تعطيني وأنفك راغم .
جوبان .
أمين الدين القواس .
جوبان بن مسعود بن سعد الله أمين الدُّنيسري القواس التوزي الشاعر . كان من أذكياء بني آدم وله النظم الجيد . كتب عبد الرحمن السّبتي وغيره .
وقال شمس الدين الجزري : اسمه رمضان والجوبان وقال : لم لم يكن يعرف الخط ولا النحو .
قال القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله قال شيخنا شهاب الدين محمود : ابن جوبان كان يدّعي الأميّة وكان بخلاف ذلك قرأ وكتب وحفظ المفصّل وكانت كتابته من هة التَّتوير في غاية القوة بحيث أنه استعار من القاضي عماد الدين محمد بن الشيرازي درجاً بخط ابن البوّاب ونقل ما فيه إلى درج بورق التُّوز وألزق التُّوز على خشبٍ وأوقف عليه ابن الشيرازي فعجبه وشهد له أنّ في بعض ذلك شيئاً أقوى من خط ابن البوّاب واشتهر ذلك بدمشق وبقي الناس يقصدونه يتفرّجون عليه . وكان له ذهن خارق وتوفي في حدود الثمانين وستمئة . ومن شعره : من الطويل .
إذا افترّ جنح الليل عن مبسم الفجر ... ولاح به ثغرٌ من الأنجم الزُّهر .
وفاحت له من عابق الروض نفحةٌ ... رشفنا به برد الرضاب من الخمر .
وعهدي بوجه الأرض مبتسماً فلم ... تغرغر فيها الدمع في مقل العذر .
إذا رجف الماء النسيم لوقته ... كساه شعاع الشمس درعاً من التبر .
وبحر الرياض الخضر بالزهد مزبدٌ ... كأنّا في فلك مجلسنا نسري .
ومن شهب الكاسات بالنجم نهتدي ... إذا تاه ساري العقل في لجّة السكر .
نصون الحميَّا في القناني وإنما ... نصون القناني بالحميَّا ولا ندري .
ولما حكى الرَّاووق في العين شكله ... وقد علِّق العنقود في سالف الدهر .
تذكّر عهداً بالكروم فكله ... عيون على أيام عصر الصِّبا تجري .
عجبت له والرّاح تبكي به فلم ... غدت بحباب الكأس باسمة الثغر .
إذا ما أتاني كأسها غير مترعٍ ... تحققت عين الشمس في هالة البدر .
يناولنيها فاتر اللحظ أغيدٌ ... فلله ذاك الأغيد المخطف الخصر .
ينادمنا نظماً ونثراً ولفظه ... ومبسمه يغني عن النظم والنثر .
فلم يسقني كأس المدامة دون أن ... سقاني بعينيه كوؤساً من السحر .
وقال وفرط السُّكر يثني لسانه ... إلى غير ما يرضي التقى وهو لا يدري .
ردوا من رضابي ما ينوب عن الطِّلا ... إذا كان وجهي فيه مغنٍ عن الزهر .
ومن كان لا تحوي ذراعاه مئزري ... فدون الذي تحوي أنامله خصري .
قلت : قوله ولمّا حكى الرّاووق البيتين يشبه قول الآخر في النَّار : من الطويل .
كأن نضيد الفحم خوف شراره ... إذا النار مسّت جلده فتلوّنا .
تذكِّر أيام السحاب الذي جرى ... بمنبته لما تأوّد أغصنا .
فأنبت منه الآبنوس بنفسجاً ... وأثمر عنّابا وأورق سوسنا .
وقوله وقد علق العنقود : بعض الناس يظنّه مفعول ما لم يسم فاعله فيرفع العنقود وصوابه النصب على أنه مفعول حكى وعلى هذا : شكله بدلٌ من الرّاووق .
ومن شعر أمين الدين الجوبان : من الدوبيت .
جاءت سحراً تشقَّ بحر الغلس ... كالطِّيف توارت في ظلال الخلس .
ما أطيب ما سمعت من منطقها ... لاتسأل ما لاقيته من حرسي .
ومنه : من الدوبيت .
يمشي مرحاً بتيهه والعجب ... كالرّيم إذا رام لحاق السّرب .
ما يسرع في المشية إلاّ حذراً ... أن ترسم عيني شخصه في قلبي .
ومنه : من الدوبيت .
زارت سحراً تراقب السُّمّارا ... رعياً وتراعى بالبيوت النّارا .
بالمهجة أفدي خاطراً عنّ لها ... حتى ركبت من أجلي الأخطارا .
ومنه : من الدوبيت