جعفر بن محمد بن مختار وهو الأمير مجد الملك أبو الفضل ابن شمس الخلافة أبي عبد الله الأفضل المصري القوصيّ الشاعر الأديب . ولد في المحرم سنة ثلاث وأربعين وخمسمئة وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمئة ولقي الأدباء وكتب الخط المنسوب وخطه معروف . وكان من الأذكياء وله مجاميع تدل على فضله وحدَّث بديوانه وامتدح جماعة من الأعيان وله : الأرج الشائق إلى كرم الخلائق جمع فيه الشعراء الذين مدحوا سراج الدين جعفر بن حسّان الأسنائي . وروى عنه الزكيّ المنذري والشَّهاب القوصي . وذكره ابن الشعار في تاريخه فقال : هو جعفر بن إبراهيم بن علي من كبراء بلده قدم مع السلطان صلاح الدين أميراً ومع ابنه العزيز ثم قدم حلب وخدم مع صاحبها غازي ثم رجع إلى مصر وكان شاعراً فاضلاً ذكياً له هجو مقذع في الملك العادل وفي القاضي الفاضل . توفي بمصر سنة عشر . قال الشيخ شمي الدين : غلط في وفاته وفي اسمه قال المنذري في الوفيات : توفي في ثاني عشر المحرم في السنة المذكورة ومن شعره : من المديد .
دع جاهلاً غرَّه تمكُّنه ... وضنَّ بالجود وهو مقتدر .
فكم غنيّ للناس عنه عنىً ... وكم فقيرٍ إليه يفتقر .
ومنه : من الكامل .
هي شدّة يأتي الرّخاء عقيبها ... وأسىً يبشر بالسرور العاجل .
وإذا نظرت فإن بؤساً زائلاً ... للمرء خير من نعيم زائل .
وقال في صفي بن شكر وقيل في الفاضل : من الكامل .
مدحتك ألسنة الأنام مخافةً ... وتشاهدت لك بالثناء الأحسن .
أترى الزمان مؤخراً في مدّتي ... حتى أعيش إلى انطلاق الألسن .
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال : أنشدني لنفسه في فتى يستجدي بالرقاع : من البسيط .
رقاع كديته في بيت كلّ فتى ... على اتفاق معانٍ واختلاف روي .
قد طبَّق الأرض من عجم ومن عرب ... كأنه خطه ذاك السائح الهروي .
قال : وأنشدني لنفسه في الشريف إسماعيل بن ثعلب : من الكامل .
إنّ الشريف بل الوضيع عدمته ... وعدمت من يخشاه أو يرجوه .
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ عنك كما يروغ أبوه .
قال : أنشدني لنفسه في سراج الدين بن حسان : من السريع .
جود ابن حسان وإنعامه ... لا يمكن العاقل أن ينكره .
إنعامه هطل ولكن على ... فوّاد أو بغاء أو مسخره .
قال : وأنشدني لنفسه في صديقين له مسلم ونصراني : من مخلع البسيط .
محاسن ابن الغليظ أضحى ... للأسعد البقطريّ جارا .
هذا على المسلمين عارٌ ... وذاك عارٌ على النصارى .
قال : وأنشدني في العماد جبريل أخي العلم صاحب الديوان وقد وقع من السلم وانكسرت يده : من البسيط .
إن العماد بن جبريل أخي علم ... له يدٌ قد غدت مذمومة الأثر .
تأخر القطع عنها وهي سارقة ... فجاءها الكسر يستقصي عن الخبر .
قال : وأنشدني لنفسه : من المنسرح .
اطلب من الدهر كل ممتنعٍ ... تجده إلاّ مواهب ابن هبه .
فإنها في النجوم كامنةٌ ... وإنها بالنجوم محتجبه .
قال : أنشدني لنفسه : من الطويل .
صحا وكأني بالصبابة منتشي ... حبيب غدا طوع البغيض المحرِّش .
يروّح قلبي ذكره وهو متعبي ... ويؤنس طرفي شخصه وهو موحشي .
وأعجب ما في الأمر أني طالبٌ ... شفاه غليلي من عوارف معطشي .
تقنع قبلي بالمعمَّم معشرٌ ... ولم أرض إلا بالحبيب المشربش .
إذا الخوف منه قال عند لقائه ... تجنَّبه قال الوجد خاطر وجمّش .
يجيش ولي في كل وقت عساكراً ... من الحسن لو لا محنتي لم يحيِّش .
نسيمٌ لمن قد شمَّ بالمسك قد وشى ... طرازٌ لمن قد شام بالحسن قد وشي .
وبدرٌ منيرٌ من محيّاه قد بدا ... بليلٍ من الصُّدع المبلبل أغطش .
فتيَّم بالصِّدَّين نورٍ وظلمة ... وقاتل بالجيشين روم وأحبش .
عجبت لقلبي كيف يبغي مساءتي ... ودمعي الذي قد دلّ كلَّ مفتش .
فيا قلب حتى أنت من جملة العدى ... ويا دمع حتَّى أنت ممن بنا تشي