جعفر بن محمد بن حمدان أبو القاسم الفقيه الشافعي الموصلي . كان مضطلعاً بعلوم كثيرة من الفقه والأصول والحكمة والهندسة والأدب والشعر . وله مصنفات كثيرة في جميع ذلك . دخل بغداد ومدح المعتضد والوزير القاسم بن عبيد الله وكان صديقاً لكل وزراء عصره مدّاحاً لهم آنساً بهم وبالمبرد وثعلب وأمثالهما من علماء الوقت . وكانت له في بلده دار علم قد جعل فيها خزانةً فيها من جميع العلوم وقفاً على كل طالب علم لا يمنع أحد من دخولها إذا جاءها أو إن كان معسراً قد أعطاه ورقاً يفتحها كل يوم ويجلس فيها إذا عاد من ركوبه ويجتمع إليه الناس فيملي عليهم من شعره وشعر غيره ومصنفاته مثل الباهر وغيره من المصنفات الحسان ثم يملي من حفظه من الحكايات المستطابة وشيئاً من النّوادر المؤلفة وطرفاً من الفقه وما يتعلق به .
ولد سنة أربعين ومئتين وتوفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة .
وكان جماعة من أهل الموصل حسدوه على محله وجاهه عند الخلفاء والوزراء والعلماء . وكان قد جحد بعض أولاده وزعم أنه ليس منه فعاندوه بسببه وجهدوا أن يلحقوه به فما بتم لهم فاجتمعوا وكتبوا فيه محضراً وشهدوا فيه عليه بكل قبيحة وعظيمة ونفوه من الموصل فانحدر هارباً إلى بغداد ومدح المعتضد بقصيدة يشكو فيها ما ناله . ويصف ما يحسن من العلوم ويستشهد بثعلب والمبرد وغيرهما أوَّلها : من الطويل .
أجدَّك ما ينفكُّ طيفك ساريا ... مع الليل مجتاباً إلينا الفيافيا .
يذكرنا عهد الحمى وماننا ... بنعمان والأيام تعطي الأمانيا .
لياليّ مغنى آل ليلى على الحمى ... ونعمان عادٍ بالأوانس غانيا .
وعهد الصبا منهنّ فينان مورق ... ظليل الضحى من حائط اللهو دانيا .
قريب المدى نائي الجوى داني الهوى ... على ما يشاء المستهام مؤاتيا .
حلفت بأخياف المخيّم من منى ... ومن حلَّ جمعاً والرّعان المتاليا .
منها : .
أأدخل تحت الضيم والبيد والسُّرى ... وأيدي المطايا الناجيات عناديا .
سأخرج من جلباب كل ملمةٍ ... خروج المعلى والسَّنيح ورائيا .
إذا أنا قابلت الإمام مناجياً ... له بالذي من ريب دهري عنانيا .
رميت بآمالي إلى الملك الذي ... أذلّت مساعيه الأسود الضواريا .
وما هي إلاّ روحة وادِّلاجةٌ ... تنيل الأماني أو تقيم البواكيا .
وليفي أمير المؤمنين مدائحٌ ... ملأت بها الآفاق حسن ثنائيا .
وأمَّت بي الآمال لا طالباً جدىً ... ولا شاكياً إنقاص من حالي وماليا .
ولكنني أشكو عدوّاً مسلّطاً ... عليَّ عداني بغيه عن بلاديا .
أيا بن الولاة الوارثين محمداً ... خلافته دون الموالي مواليا .
إذا ما اعتزمت الأمر أبرمت قلبه ... ولم تك عن إمضائك الحزم وانيا .
فلو تك للمظلوم ناداك في الدُّجى ... لغربته والدفع للظلم ناسيا .
وعش سالم الأيام للملك راعياً ... ودم عالي الأحوال تعلي المعاليا .
وهي مئة وخمسون بيتاً فيها بعد المدح ما يحسنه من العلوم الدينية والأدبية وتبجّح بمعرفته إقليدس وأشكاله وزيادات زادها في أعماله .
وقال : من الخفيف .
رب ليلٍ كالبحر هولاً وكالدهر امتداداً وكالمداد سوادا .
خضته والنجوم يوقدن حتى أطفأ الفجر ذلك الإيقادا .
وقال : من الطويل .
على الخيف من أكناف برقة أطلال ... دوارس عضَّتها ببرقة أحوال .
ومبنى خيامٍ من فريق تفرّقوا ... أيادي سبا والبين للشَّمل مغتال .
وهنَّ نجومٌ للنجوم ضرائر ... وهن لأقمار الحنادس أمثال .
ألا إنّ آجال الظباء سوانحاً ... لمن عالج الوجد المبرّح آجال .
وقال : من مجزوء الرمل .
أيّها القرم الذي أعوزنا فيه النَّديد .
وأعانته على المجد مساعٍ وجدود .
عجِّل النُّجح فإنَّ المطل بالوغد وعيد