بكر بن محمد بن عثمان - وقيل بقية وقيل عدي - بن حبيب المازني البصري النحوي ؛ كان إمام عصره في النحو والآداب . أخذ الأدب عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري وغيرهم وأخذ عنه المبرد وكان المبرد يقول : ما بعد سيبويه أعلم بالنحو من المازني . وله عنه روايات كثيرة . وله من التصانيف : كتاب ما تلحن فيه العامة وكتاب الألف واللام وكتاب العروض وكتاب القوافي وكتاب الديباج على خلاف كتاب أبي عبيدة قال أبو جعفر الطحاوي المصري : سمعت القاضي بكار بن قتيبة قاضي مصر يقول : ما رأيت نحوياً قط يشبه الفقهاء إلا حيان بن هرمة والمازني المذكور . قلت : لم يكن القاضي بكار قد عاصر أبا الفتح ابن جني ولا أبا علي الفارسي ولا ابن عصفور . وكان المازني في غاية الورع قصده بعض أهل الذمة ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه فامتنع فقال له المبرد : جعلت فداءك أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضاقتك . فقال : إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاث مائة وكذا وكذا آية من كتاب الله D ولست أرى أن أمكن منها ذمياً غيرة على كتاب الله وحمية له ؛ قال المبرد : فاتفق أن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي : ؟ أظلوم أن مصابكم رجلاً يهدى السلام عليكم ظلم قلت : كذا أورده العرجي وقال آخرون وهو الصحيح إنه للحارث ابن خالد المخزومي من أبيات أولها : .
أقوى من آل ظليمة الحزم ... فالعنزتان فأوحش الخطم .
وبعد البيت المذكور : .
أقصيته وأراد سلمكم ... فليهنه إذ جاءك السلم .
عاد القول إلى كلام المبرد : فاختلف من بالحضرة في إعراب رجل فمنهم من نصبه وجعله اسم أن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه . قال أبو عثمان : فلما مثلت بين يديه قال : من الرجل ؟ فقلت : من مازن قال : أي الموازن ؟ أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة ؟ قلت : من مازن ربيعة ؛ فكلمني بكلام قومي وقال : با اسبك ؟ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميماً فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر . فقلت : بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وتعجب منه ثم قال : ما تقول في قول الشاعر : أظلوم إن مصابكم رجلاً . أترفع رجلاً أم تنصبه ؟ فقلت : بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين فقال : ولم ذاك ؟ قلت : إن مصابكم مصدر بمعنى إصابتكم فأخذ اليزيدي في معارضتي قلت : هو بمنزلة قولك إن ضربك زيداً ظلم فالرجل مفعول مصابكم وهو منصوب به والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول ظلم فيتم . فاستحسنه الواثق وقال : هل لك من ولد ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين بنية قال : ما قالت لك عند مسيرك ؟ قلت : أنشدت قول الأعشى : .
أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم .
أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى ويقطع منا الرحم .
قال : فما قلت لها ؟ قلت : قول جرير : .
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح .
قال : علي النجاح إن شاء الله تعالى . ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرماً . قال المبرد : فلما عاد إلى البصرة قال لي : كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفاً . وروى المبرد عنه أيضاً قال : قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدة طويلة فلما بلغ آخره قال لي : أما أنت فجزاك الله خيراً وأما أنا فما فهمت منه حرفاً . وقال الزبيدي قال المازني : كنت بحضرة الواثق يوماً فقلت لابن قادم وابن سعدان قد كابرني : كيف تقول نفقتك ديناراً أصلح من درهم ؟ فقال دينار بالرفع قلت : فكيف تقول ضربك زيداً خير لك فتنصب زيداً ؟ وطالبته بالفرق بينهما فانقطع . وكان ابن السكيت حاضراً فقال الواثق : سله عن مسألة فقلت له : ما وزن نكتل من الفعل ؟ فقال : نفعل فقال الواثق : غلطت . ثم قال لي : فسره فقلت : نكتل تقديره نفتعل وأصله نكتيل فانقلبت الياء ألفاً لفتحة ما قبلها فصار لفظها نكتال فأسكنت اللام للجزم لأنه جواب الأمر فحذفت الألف لالتقاء الساكنين . فقال الواثق : هذا الجواب لا جوابك يا يعقوب . فلما خرجنا قال لي ابن السكيت : ما حملك على هذا بيني وبينك المودة الخالصة ؟ فقلت : والله ما أردت تخطئتك ولم أظن أنه يغرب عنك . وقال المبرد : سألت المازني عن قول الأعشى :