بكر بن علي الصابوني ؛ قال ابن رشيق في الأنموذج : كان شيخاً معمراً شاعراً مطبوعاً حلواً نوادر ومقالعة وهجاء خبيث وأقدر الناس على مهاترة وبديهة وهو مع ذلك نفي الشيبة والثياب حسن الصمت . وكان مولعاً بأذى أبي بكر ابن الوسطاني . وضرب بينه وبين القاضي محمد بن عبد الله بن هاشم عداوة كانت سبب خروجه من القيروان ناجياً بروحه إلى مصر . وكان قد صنع قبل ذلك قصيدة أولها : .
أمرض بالوعظ القلوب الصحاح ... ما قاله الهاتف عند الصباح .
أيقظني من نومتي في الدجى ... شخص سمعت القول منه كفاح .
يقول كم ترقد يا غافلاً ... والدهر إن لم يغد بالموت راح .
تركن للدنيا كأن لا براح ... منها وتغدو لاهياً في مزاح .
ما الدهر والأيام في مرها ... إلا كبرق خاطف حين لاح .
مدح فيها عبد الله بن محمد الكاتب بعد مواعظ كثيرة . وهجا ابن الوسطاني أقبح هجاء . وذكر أنه يستتر بالعزائم والرقي ويسر الفسق والزنا وزاد على الإقذاع وأنشده إياها حذاء باب السلام بحضرة أشياخ الدولة . وكان الرائي الشاعر حاضراً وله عناية بابن الوسطاني فقال : أتيت بشعر غيرك تسفه به على أهل الرتب بين أيدي الملوك ؟ أو الله إنك مستحق للعقوبة . قال : أما قولك تسفه فسفه منك وسوء أدب لأني جئت محتسباً فيما يعلمه الله والقاضي وجماعة المسلمين ؛ وأما قولك أهل الرتب فتلك الرتبة التي اشتكينا بما سمعت لأنها رتبة مصحفة ؛ وأما قولك شعر غيرك فإن أذن لي أبو محمد عرفتك أنه شعري . فقال عبد الله للرائي : ما ترى ؟ فقال : إيذن له فقال : شأنك ؛ فأنشد كأنما يملي شيئاً يحفظه : .
سألتك بالقمر الأزهر ... وبالعين والحاجب الأنور .
وبالسيد الماجد المرتجى ... لدفع المظالم والمنكر .
حسام الخلافة وابن الحسام ... ومنصور يا جوهر الجوهر .
أجرني من الناقص الأعور ... فلولاك في الناس لم يذكر .
هو النحس حل به نحسه ... فلا خلق أنحس من أعور .
إذا رام خيراً وما رامه ... أبته له شيمة البربر .
قال الرائي : قد انتقصت سيدنا عدة العزيز بالله لأنه من البربر فقال بكر كأنه يخاصمه : .
لحى الله ناقصه بيننا ... وإن كنت ذاك ولم تشعر .
وفي أي شيء تنقصته ... وقد حل في البيت من حمير .
فكأنما ألقمه حجراً . ودخل إلى صاحب قيان فوجد جماعة من إخوانه يشربون منهم ابن أبي حفص الكاتب ورأى برذونه قائماً في السقيفة فقال : كما لكم ههنا ؟ فقالوا : كذا كذا يوماً . فشرب نهاره أجمع وليلته وأراد الانصراف من الغد فافتقد رداءه ودراهم كانت معه وسأل القوم فما وقع علي عين ولا أثر فقال لابن أبي حفص : سألتك بالله إلا ما نزلت إلى هذا العبد الصالح فاستوهبت لنا منه دعوة بأن يفضح الله سارقنا أو يجمع علينا ما راح منا . فإنه صائم النهار قائم الليل . قال : وأي عبد يكون هذا ؟ قال : هو برذونك يا سيدي فضحك الجماعة . وخرج وهو يقول : .
ذو غرفة نفس أعلاها ... للفسق والعصيان أنشاها .
قد وضع الميزان في وسطها ... وكنت من أول قتلاها .
من يعرف الله فلا يأتها ... فما بها من يعرف الله .
ومن هجائه : .
أذاب وال بسوسة مخي ... يعرف بين الأنام بالفرخ .
يزعم عبد العزيز والده ... وأير عبد العزيز مسترخ .
وتوفي سنة تسع وأربع مائة وقد زاحم المائة .
بكر بن مبشر بن جبر الأنصاري .
قيل إنه من بني عبيد . روى عنه إسحق بن سالم وأنيسن ابن أبي يحيى . يعد في أهل المدينة .
المازني