فقال السفاح : سل حاجتك ! .
فقال : ترضى عن سليمان بن حبيب بن المهلب وتوليه الأهواز . فأمر بذلك وأن يكتب عهده ويدفع إلى السيد فأخذه وقدم به عليه فلما وقعت عينه عليه أنشده من المتقارب : .
أتيناك يا قَرْمَ أهل العراق ... بخير كتابٍ من القائمِ .
أتيناك من عند خير الأنا ... م ذاك ابن عمّ أبي القاسمِ .
يولِّيك فيه جسامَ الأمور ... فأنت صنيع بني هاشمِ .
أتينا بعهدك من عنده ... على من يليك من العالَمِ .
فقال له سليمان : شريف وشافع وشاعر ووافد ونسيب سل حاجتك ! .
فقال : جارية فارهة جميلة ومن يخدمها وبدرة دراهم وحاملها وفرس رائع وسائسه وتخت من صنوف الثياب وحامله . قال : قد أمرت لك بجميع ما سألت وهو لك عندي في كل سنة . قال أبو ريحانة : وكان السيد قال : لما حضرته الوفاة جاءنا وليه فقال : هذا وإن كان مخلطاً فهو من أهل التوحيد وهو جاركم فادخلوا إليه فلقنوه الشهادة ! .
قال : فدخلنا إليه وهو يجود بنفسه . قال : فقلنا له : قل لا إله إلا الله ! .
قال : فاسود وجهه وفتح عيني . قال : ثم قال لنا " وَحيِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتهون " . قال : وخرجنا فمات من ساعته .
المنصور العبيدي .
إسماعيل بن محمد بن عبيد الله أبو الطاهر المنصور ابن القائم ابن المهدي صاحب إفريقية أحد الخلفاء الباطنية بايعوه يوم توفي أبوه القائم ولقب المنصور وكان أبوه قد ولاه محاربة أبي يزيد مخلد الخارجي الإباضي وكان أبو يزيد مع كونه سيء الاعتقاد زاهداً قام غضباً لله تعالى لما انتهك هؤلاء الحرمات وكان يركب حماراً ويلبس الصوف وقام معه خلق كثير فحاربه القائم مراتٍ واستولى على جميع مدن القيروان ولم يبق للقائم المهدية فنازلها أبو يزيد فهلك القائم في الحصار وقام المنصور هذا وأخفى موته ونهض لنفسه وصابر أبا يزيد حتى رحل عن المهدية ونزل سوسة يحاصرها فخرج إليه المنصور والتقيا على سوسة فهزمه ووالى وثلاثمائة فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراح كانت به فأمر بسلخه وحشا جلده قطناً وصلبه وبني مدينته موضع الوقعة وسماها المنصورية واستوطنها . وكان المنصور رابط الجأش وثلاثمائة من المنصورية إلى جلولاء ليتنزه بها ومعه حظيته قضيب وكان مغرماً بها فأمطر الله عليهم برداً كثيراً وسلط عليهم ريحاً عظيمةً فخرج منها إلى المنصورية فاشتد عليه البرد فأوهن جسمه ومات أكثر من معه ووصل إلى المنصورية فاعتل بها ومات يوم الجمعة آخر شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية أراد دخول الحمام فنهاه طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي فلم يقبل منه ودخل الحمام ففنيت الحرارة الغريزية ولازمه السهر فأقبل إسحاق يعالجه والسهر باقٍ على حاله فاشتد ذلك على المنصور فقال لبعض خدمه : أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا ؟ فقال : ها هنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم . فأمر بإحضاره فحضر فعرفه حاله وشكا إليه ما به فجمع له شيئاً ينومه وجعله في قنينة على النار وكلفه شمها فلما أدمن شمها نام فخرج إبراهيم مسروراً بما فعل وجاء إسحاق إليه فقالوا : إنه نائم . فقال : إن كان صنع له شيء ينام به فقد مات . فدخلوا عليه فوجده ميتاً فأرادوا قتل إبراهيم فقال إسحاق : ما له ذنب فإنما داواه بما ذكره الأطباء غير أنه جهل أصل المرض وما عرفتموه ؛ ذلك أني كنت أعالجه وأنظر في تقويه الحرارة الغريزية . وبها يكون النوم فلما عولج بما يطفئها علمت أنه قد مات ودفن المنصور بالمهدية .
الصفار صاحب المبرد .
إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن البغدادي أبو علي الصفار صاحب المبرد صحبةً اشتهر بها روى عنه وسمع الكثير وكان أخبارياً نحوياً ثقةً وكان متعصباً لمذهب السلف عاش دهراً وصار مسند العراق صام أربعةً وثمانين رمضان . وتوفي سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة . وهو صاحب الملح ومن شعره من الطويل : .
إذا زرتكم لُقيِّتُ أهلاً ومرحباً ... وإن غبتُ حولاً لا أرى منكمُ رسُلا .
وإن جئت لم أعدَمْ : ألا قد جفوتنا ... وقد كنتَ زَوّاراً فما بالنُا نُقْلى .
أفي الحق أن أرضى بذلك منكُمُ ؟ ... بل الضيمُ أن أرضى بذا منكم فِعلا !