كان ممن يعقل ويفهم ويدري بما يوجبه العقل من قبول الأدلة الصحيحة التي لا تقابل بالرد ولا تدفع بالمعارضة ولا تقبل التشكيك ولا تحتمل الشبهة .
ومع هذا فقد كان النبي الأمي المبعوث بين هؤلاء يصرح بين ظهرانيهم ببطلان ما هم عليه ويزيف ما هم فيه أبلغ تزييف ويقدح فيه أعظم قدح ويبين لهم أنهم أعداء الله وأنهم مستحقون لغضبه وسخطه وعقوبته وأنهم ليسوا على شيء فبهذا السبب صاروا جميعا أعداء له يطعنون عليه بالمطاعن التي يعلمون أنه منزه عنها مبرأ منها كقولهم إنه كذاب وإنه مجنون وإنه ساحر .
فلو علموا أنه تعلم من أحد من أهل الكتاب أو أخذ عن فرد من أفرادهم لجاءوا بهذا المطعن بادئ بدء وجعلوه عنوانا لتلك المطاعن الكاذبة بل لو وجدوا إلى ذلك سبيلا لعولوا عليه ولم يحتاجوا إلى غيره فلما لم يأتوا بذلك ولا تكلموا به ولا وجدوا إليه سبيلا علم كل عاقل أنه لم يتعلم من أحد من اليهود ولا من النصارى ولا من غير هاتين الطائفتين إذ لم يطعن عليه بذلك هؤلاء الذين هم قومه وقد ولد بينهم وعاش في ديارهم يخالطهم ويخالطونه ويواصلهم ويعرفون جميع أحواله ولا سيما من كان من قرابته منهم الذين صاروا له بعد البعثة أشد الأعداء وأعظم الخصوم كأبي لهب وأمثاله فإنه لا شك ولا ريب أنه لا يخفى عليهم ما هو دون هذا من أحواله .
وأيضا لو كان قد تعلم من أحد من أهل الكتاب لم يخف ذلك على أهل الكتاب الذين صرح لهم بأنهم إن لم يؤمنوا به فهم من أعداء الله ومن المستحقين لسخطه وعقوبته وأنهم على ضلالة وأنهم قد غيروا كتابهم وحرفوه وبدلوه وأنهم أحقاء بلعنة الله وغضبه فلو كان له معلم منهم أو من أمثالهم من أهل الكتاب لجعلوا هذا المطعن عليه مقدما على كل مطعن يطعنونه به من تلك المطاعن الكاذبة بل كان هذا