لغاتهم فهذا أمر لا يحيط بعلمه إلا الله D ولولا اشتمال التوراة على حكاية أحوال من قبل موسى من الأنبياء لانقطع علم ذلك عن البشر ولم يبق لأحد منهم طريق إليه البته فلما جاءنا هذا النبي العربي الأمي المبعوث من بين طائفة مشركة تعبد الأوثان وتكفر بجميع الأديان قد دبروا دنياهم بأمور جاهلية تلقاها الآخر عن الأول وسمعها اللاحق من السابق لا يرجع شيء منها إلى ملة من الملل الدينية ولا إلى كتاب من الكتب المنزلة ولا إلى رسول من الأنبياء المرسلة بل غاية علمهم ونهاية ما لديهم ما يجري بين أسلافهم من المقاولة والمقاتلة وما يحفظونه من شعر شعرائهم وخطب خطبائهم وبلاغات بلغائهم وجود أجوادهم وإقدام أهل الجرأة والجسارة منهم لا يلتفتون مع ذلك إلى دين ولا يقبلون على شيء من أعمال الآخرة ولا يشتغلون بأمر من الأمور التي يشتغل بها أهل الملل فإن راموا مطلبا من مطالب الدنيا ورغبوا في أمر من أمورها قصدوا أصنامهم وطلبوا حصولها منها وقربوا إليها بعض أموالهم ليبلغوا بذلك إلى مقاصدهم ومطالبهم .
وكان هذا النبي العربي الأمي لا يعلم إلا بما يعلمون ولا يدري إلا بما يدرون بل قد يعلم الواحد منهم المتمكن من قراءة الكتب وكتابة المقروء بغير ما يعلمه هذا النبي .
فبينما هو على هذه الصفة بين هؤلاء القوم البالغين في الجهالة إلى هذا الحد جاءنا بهذا الكتاب العظيم الحاكي لما ذكرناه من تفاصيل أحوال الأنبياء وقصصهم وما جرى لهم مع قومهم على أكمل حال وأتم وجه ووجدناه موافقا لما في تلك الكتب غير مخالف لشيء منها كان هذا من أعظم الأدلة الدالة على ثبوت نبوته على الخصوص وثبوت نبوة من قبله من الأنبياء على العموم .
ومثل دلالة هذا الدليل لا يتيسر لجاحد ولا لمكابر ولا لزنديق مارق أن يقدح فيها بقادح أو يعارضها بشبهة من الشبه كائنة ما كانت إن