المطعن مستغنيا عن كل ما طعنوا به عليه لأن مسافته قريبة وتأثيره ظاهر وقبول عقول العامة له من أهل الكتاب ومن المشركين أيسر من قبولها لتلك المطاعن الكاذبة التي جاءوا بها هذا معلوم لكل عاقل لا يشك فيه شاك ولا يتلعثم عنده متلعثم ولا يكابره فيه مكابر .
فلما لم يطعن عليه أحد منهم بشيء من ذلك علمنا علما يقينا انتفاء ذلك وأنه لم يتعلم من أحد منهم .
وإذا تقرر هذا البرهان الذي هو أوضح من شمس النهار أنه لم يكن له معلم من اليهود ولا من النصارى ولا من غيرهم ممن له علم بأحوال الأنبياء فلم يبق إلا أن يكون اطلع بنفسه منفردا عن الناس على مثل التوراة والزبور والإنجيل ونحو ذلك من كتب الأنبياء وقد علمنا علما يقينيا بأنه كان أميا لا يقرا المكتوب ولا يكتب المقروء ثبت هذا بالنقل المتواتر عن أصحابه مع عدم مخالفة المخالفين له في ذلك فإنه لم يسمع عن واحد منهم أنه نسب اليه أنه يقدر على قراءة المكتوب أو كتابة المقروء وحينئذ انتفت هذه الطريقة أعني كونه اطلع على الكتب المتقدمة بنفسه منفردا عن الناس وإنما قلنا منفردا عن الناس لأنا لو فرضنا قدرته على ذلك في محضر أحد من الناس لم يخف ذلك على أتباعه ولا على أعدائه .
فإذا انتفت قدرته على قراءة المكتوب من حيث كونه أميا وانتفى اطلاع أحد من الناس على شيء من ذلك علمنا أنه لم يأخذ شيئا من ذلك لا بطريق التعليم ولا بطريق المباشرة منه لتلك الكتب ولم يسمع عن أحد لا من أتباعه ولا من أعدائه أنه كان بمكة من يعرف أحوال الأنبياء وقصصهم وما جاءوا به من الشرائع ولا كان بمكة من كتب الله سبحانه المنزلة على رسله شيء ولا كانت قريش ممن يرغب إلى ذلك أو يطلبه أو يحرص على معرفته ومع هذا فقد كان أعداؤه من كفار قريش معترفون بصدقه ويقرون بأنهم لم يجربوا عليه كذبا وفي حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما في قصة سؤال هرقل لأبي سفيان أنه قال له فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فقال أبو سفيان لا .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود أن سعد بن