@ 399 @ .
وأما قوله : ( ^ أني مسني الضر ) ففي القصة : أنه لم يدع الله تعالى بكشف الضر في تلك المدة الطويلة إلى أن بلغ وقت الكشف ثم دعا ، واختلفوا في سبب دعائه : قال الحسن : كان سبب ذلك أن جماعة من أصدقائه رأوا به ذلك البلاء الشديد فقالوا : لو كانت عبادتك التي كنت تفعل لله تعالى خالصا ما أصابك هذا البلاء . قال حبيب بن أبي ثابت : لم يدع الله تعالى بالكشف حتى ظهرت ثلاثة أشياء أكره ما يكون : أما الأول : فقدم عليه صديقان له من الشام حين بلغهما خبره ، فجاءا إليه ، ولم يبق منه إلا عيناه ، ورأيا أمرا عظيما ، فقالا له : لو كان لك عند الله منزلة ما أصابك هذا ، والثاني : أن المرأة طلبت طعاما فلم تجد شيئا تطعمه ، فباعت ذؤابتها ، وحملت إليه طعاما ، وذكرت له ذلك ، والثالث : أن إبليس اللعين لما رأى صبره جزع جزعا شديدا ، فاتخذ تابوتا وجع فيه أدوية ، وقعد على طريق امرأته يداوي الناس ، فمرت عليه امرأته ، فلما رأت ذلك قالت : أيها الرجل ، إن عندي مريضا أفتداويه ؟ قال : نعم ، وأشفيه ، قالت : ما تريد ؟ قال : لا أريد شيئا إلا أن يقول حين أشفيه : أنت شفيتني ، فذهبت وذكرت ذلك لأيوب - عليه السلام - فقال : هو إبليس قد خدعك ، والله لئن شفاني الله لأضربنك مائة جلدة . .
وروي أن إبليس جاء إلى أيوب ووسوس إليه ، أن امرأته زنت ، وأنه قطعت ذؤابتها لذلك ، فحينئذ عيل صبره لهذه الأشياء فدعا وقال : ( ^ أني مسني الضر ) . .
فإن قال قائل : أليس أن الله تعالى سماه صابرا ، وقد ترك الصبر حين دعا ؟ قلنا : لا ، لم يترك الصبر ، فإن ترك الصبر بإظهار الشكوى إلى الخلق ، فأما بإظهارها إلى الله تعالى فلا يكون تركا للصبر . .
وعن سفيان بن عيينة أنه قال : إذا أظهر الشكوى إلى الخلق ، وهو راض بقضاء الله ، فإنه لا يكون تاركا للصبر أيضا . .
وقد روي عن النبي ' أن جبريل دخل عليه في مرض الموت فقال : كيف تجد نفسك ؟ فقال : يا جبريل ، أجدني مغموما ، أجدني مكروبا ' .