- روى النسائي والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت فقال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال فلان جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال فلان عالم . وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم سحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ] ] . وقوله جريء بالمد : أي شجاع .
وروى الترمذي وغيره مرفوعا : [ [ من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ] ] .
وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ سيتفقه ناس من أمتي في الدين يقرءون القرآن يقولون نأتي الأمراء نصيب من دنياهم ونعتز لهم بديننا ولا يكون ذلك كما لا يجتنى من القتاد إلا الشوك وكذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا والآثام ] ] .
وروى عبدالرزاق وغيره عن ابن مسعود Bه أنه قال : كيف بكم إذا لابستم فتنا يربو فيها الصغير ويهرم منها الكبير وتتخذ سيئة فإذا تركت يقال تركت السنة فقيل له ومتى ذلك ؟ فقال : إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت خطاياكم وتفقه الناس لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة وفي رواية : وتعلم العلم لغير العمل .
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ بشر هذه الأمة بالثناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ] ] .
وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ من سمع الناس بعلمه وعمله وسمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره ] ] . وقوله سمع بتشديد الميم : ومعناه أن كل من أظهر علمه للناس رياء أظهر الله تعالى نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد الذين راءاهم في دار الدنيا .
وروى البيهقي مرفوعا : [ [ إن الإبقاء على العمل أشد من العمل وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر فيضعف أجره سبعين ضعفا فلا يزال به الشيطان حتى يذكره ويعلنه فيكتب علانية ويمحي تضعيف أجره كله ثم لا يزال به حتى يحب أن يذكر به ويكتب رياء ] ] .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إن الله تعالى يقول لمن عبده رياء وسمعة بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي ؟ قال بعزتك وجلالك رياء الناس قال لم يصعد إلى منه شيء انطلقوا به إلى النار ] ] .
وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ يؤتى يوم القيامة بصحف مختتمة وتفتح بين يدي الله D فيقول الله تعالى ألقوا هذه وأقبلوا هذه فتقول الملائكة وعزتك وجلالك ما رأينا إلا خيرا فيقول الله D إن هذا كان لغير وجهي وإني لا أقبل إلا ما ابتغى به وجهي ] ] . قلت : والمراد والله أعلم بوجه الله تعالى هو وجه التشريع بأن يفعل ذلك امتثالا لأمره فهذا هو وجهه تعالى . وإيضاح ذلك أن كل عمل له وجهان وجه إلى الكون ووجه إلى الحق فما وافق الشرع كان وجها للحق وما خالفه كان لغير الحق تعالى فافهم . والله أعلم .
وروى البيهقي عن ابن عباس أنه قال : [ [ من راءى بشيء في الدنيا بعمله وكله الله يوم القيامة إلى عمله وقال له انظر هل يغني عنك شيء ] ] . قوله بعمله : أي من عمله .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ أن في جهنم واديا يقال له هبهب أعده الله للقراء المرائين بعملهم ] ] . وفي رواية : [ [ أن في جهنم واديا تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة أعده الله للقراء المرائين بأعمالهم في الدنيا ] ] .
وروى أبو يعلي وغيره مرفوعا : [ [ من أحسن صلاته حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه تبارك وتعالى ] ] .
وروى البيهقي مرفوعا : [ [ من صام يرائي الناس فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ومن صلى يرائي فقد أشرك ] ] .
وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفي من دبيب النمل فقيل : فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ فقال : قولوا اللهم إنا نعوذ أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ] ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني بإسناد جيد مرفوعا : [ [ إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء يقول الله D إذا جوزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا ؟ هل تجدون عندهم جزاء ] ] .
وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعا : [ [ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك ] ] . زاد في رواية : [ [ فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك وأنا منه بريء ] ] .
وروى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال : [ [ سيقرأ ناس القرآن على لسان محمد فيحلون حلاله ؟ ؟ ويحرمون حرامه ؟ ؟ وينزلون عند منازله لا يحوزون منه شيئا إلا كما يحوز رأس الحمار الميت ] ] .
وروى ابن حبان في غير صحيحه والحاكم وغيرهما عن معاذ بن جبل مرفوعا : إن الله تعالى خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماء والأرض ثم خلق السماوات فجعل في كل سماء من السبعة ملكا بوابا عليها فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي له نور كنور الشمس حتى إذا صعدت به إلى السماء الدنيا ذكرته فكثرته فيقول ذلك الملك للحفظة : اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من اغتاب الناس أن يجاوزني إلى غيري قال : ثم تصعد الحفظة بالعمل الصالح من أعمال العبد حتى تبلغ به إلى السماء الثانية فيقول لهم الملك الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنه أراد بعمله هذا عرض الدنيا وكان يفتخر على الناس في مجالستهم قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد من صدقة وصيام وقيام ليل وتهجد إلى السماء الثالثة فيقول لهم الملك الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الكبر أمرني ربي أن لا أدع عمل من تكبر على الناس بعمله وعمله يجاوزني إلى غيري قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وغير ذلك إلى السماء الرابعة فيقول لهم الملك الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنه كان يشمت بالناس إذا أصابتهم مصيبة .
قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد من زكاة وصلاة وجهاد وغير ذلك من أعمال الخير إلى السماء الخامسة فيقول لهم الملك الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الحسد أمرني ربي أن لا أدع عمل من يحسد الناس يجاوزني إلى غيري قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد إلى السماء السادسة كأنه العروس المزفوفة إلى بعلها فيقول لهم الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك العجب أمرني ربي أن لا أدع عمل من يعمل ويعجب بعمله يجاوزني إلى غيري قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد له دوي كدوي النحل وضوء كضوء الشمس إلى السماء السابعة فيقول لهم الملك الموكل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أمرني ربي أن لا أدع عمل من أراد غير وجهه أن يجاوزني إلى غيري فتقول الملائكة الذين يشيعونه وهم ثلاثة آلاف ملك يا رب ما علمنا عليه إلا خيرا فيقول الله D أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرقيب على قلبه إنه أراد بعمله هذا رفعه عند الأمراء وذكرا عند العلماء وصيتا في المدائن قال : ثم تصعد الحفظة بعمل العبد إلى ما فوق السماوات وتشيعه ملائكة الحجب حتى يقفون به بين يدي الله D فيقول الله لهم D : إنه أراد بعمله هذا غير وجهي فعليه لعنتي فتلعنه الملائكة كلهم الحديث بالمعنى في بعضه . قال الحافظ المنذري : وآثار الوضع ظاهرة على هذا الحديث في جميع طرقه وجميع ألفاظه . قلت ويحتمل أن يكون هذا الحديث له أصل صحيح أو حسن أو ضعيف ولكن نسي الراوي لفظ النبوة فترجم عنه بلسانه هو . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نجيب سائلا سألنا عن مسألة في العلم إلا إن علمنا من أنفسنا ومن السائل الإخلاص فإن لم نعلم ذلك تربصنا بالجواب ولو مكثنا سنة وأكثر حتى نجد إخلاصا لأن الخوض في العلم بلا إخلاص معصية وبتقدير إخلاصنا في العلم دون السائل فلا نساعده عليه وطريقنا إذا علمنا من أنفسنا الرياء في العلم أن نجاهد أنفسنا على التخلص من الرياء فيه والإعجاب به ونأمر بذلك إخواننا ثم نعلمهم بعد ذلك .
وكان سفيان الثوري Bه إذا لاموه على عدم جلوسه لتعليم الناس العلم يقول : والله لو علمنا منهم أنهم يطلبون بالعلم وجه الله العظيم لأتيناهم في بيوتهم وعلمناهم ولكنهم يطلبون العلم ليجادلوا به الناس ويحترفوا به أمر معاشهم .
وكان الفضيل بن عياض Bه يقول : لو صحت النية في العلم لم يكن عمل يقدم عليه إلا العمل وما يحتاج منه ولكن تعلموه لغير العمل .
وحكى أن سفيان الثوري دخل على الفضيل يوما فقال : يا أبا علي عظنا بموعظة فقال : الفضيل وماذا أعظكم ؟ كنتم معاشر العلماء سرجا يستضاء بكم في البلاد فصرتم ظلمة وكنتم نجوما يهتدي بكم في ظلمات الجهل فصرتم حيرة يأتي أحدكم إلى هؤلاء الأمراء فيجلس على فراشهم ويأكل من طعامهم ثم بعد ذلك يدخل المسجد فيجلس يدرس العلم والحديث ويعظ الناس ويقول حدثني فلان عن فلان عن النبي A والله ما هكذا كان من يحمل العلم فبكى سفيان ثم انصرف .
وكان الفضيل بن عياض Bه يقول : إذا رأيتم العالم أو العابد ينشرح لذكره بالعلم والصلاح في مجالس الأمراء والأكابر فاعلموا أنه مراء .
وكان سفيان بن عيينة Bه يقول : من علامة الرياء في طلب العلم أن يخطر في باله أنه خير من العوام لأجل العلم ومن فعل ذلك مات قلبه فإن العلم لا يحيي قلب صاحبه إلا إن أخلص فيه وذلك أنه إذا تكبر به صار وجهه للدنيا وظهره لحضرة الله D .
واعلم أن رائحة الحضرة هي التي بها حياة القلوب فالإقبال عليها يحيي والإدبار عنها يميت كما مات قلب الكفار حين أعرضوا عن الله D .
وكان يقول أيضا : إذا رأيتم طالب العلم كلما ازداد علما ازداد جدالا ورغبة في الدنيا فلا تعلموه .
وكان كعب الأحبار Bه يقول : سيأتي على الناس زمان يتعلم جهالهم العلم ويتغايرون به على القرب من الأمراء كما يتغايرون على النساء أو كما يتغاير النساء على الرجال فذلك حظهم من علمهم .
وكان صالح المري Bه يقول : من علامة إخلاص طالب العلم أن ينشرح صدره كلما وصفه الناس بالجهل والرياء والسمعة كما أن من علامة ريائه انقباض قلبه من ذلك وكان يقول : احذروا عالم الدنيا أن تجالسوه خوفا أن يفتنكم بزخرفة لسانه ومدحه للعلم وأهله من غير عمل به . وكان يقول : ربما كان علم العالم زاده إلى النار فلا ينبغي لأحد أن يفرح بعلمه إلا بعد مجاوزة الصراط وهناك يعلم حقيقة علمه هل هو حجة له أو عليه .
وكان إبراهيم بن أدهم Bه يقول : يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل . وكان يقول : مررت بحجر مكتوب عليه " اقلبني تعتبر " فقلبته فإذا عليه مكتوب : أنت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب علم ما لا تعلم ؟ وكان يقول : اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا في ذلك فصار علمهم كالجبال وعملهم كالهباء .
وكان ذو النون المصري Bه يقول : أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وتقللا من أمتعتها ونراهم اليوم كلما ازداد أحدهم علما ازداد في الدنيا رغبة وتكثيرا لأمتعتها . وكان يقول : فكيف طالب العلم عاملا به وهو ينام وقت الغنائم ووقت فتح الخزائن ووقت نشر العلوم والمواهب في الأسحار لا يتهجد من الليل ساعة .
وكان عمر بن عبدالعزيز Bه يقول : كيف تعلمون هؤلاء العلم وهم يأكلون من الحرام والشبهات والله إنهم كالأموات الذين يرتعون في النار ولو أنهم كانوا أحياء لوجدوا ألم النار في بطونهم من هذه الدار .
وكان منصور بن المعتمر Bه يقول لعلماء زمانه : لستم علماء وإنما أنتم مقلدون بالعلم يسمع أحدكم المسألة ويحكيها فقط ولو أنكم كنتم تعلمون بعلمكم لتجرعتم الغصص فإن العلم كله محثكم على التورع في المأكل والملبس حتى لا يجد أحدكم رغيفا يأكله ولا خرقة يواري بها عورته والله لقد لبست الحصير كذا كذا شهرا حتى وجدت ثوبا من حلال .
وكان الربيع بن خثيم يقول : كيف يرائي العالم بما يعلم مع علمه بأن كل ما لا يبتغي به وجه الله يضمحل وكان إذا دخل عليه أمير على غفلة وهو يدرس العلم يغتم لذلك وكان إذا بلغه أن أحدا من الأمراء عازم على زيارته لا يدرس علما ذلك اليوم خوفا أن يراه ذلك الأمير وهو في محفل درسه العظيم . وكان يقول : من علامة المخلص في علمه أن ينقبض في نفسه إذا مدحه الأكابر ويتأثر كما يتأثر ممن اطلع عليه وهو يزني .
وكان الحسن البصري يقول : يقبح على طالب العلم أن يشبع من الحلال في هذا الزمان فكيف بمن يشبع من الحرام والله إني أود أن الأكلة تصير في بطني كالآجرة فتكفيني حتى أموت فإنه بلغنا أنها تمكث في الماء ثلاثمائة عام وأكثر . وكان يقول ورع العلماء إنما يكون في الشبهات وإنما ورعهم اليوم عن المعاصي الظاهرة . وكان يقول بلغنا أنه يأتي آخر الزمان رجال يتعلمون العلم لغير الله كي لا يضيع ثم يكون عليهم تبعته يوم القيامة فليفتش الإنسان نفسه .
( يتبع . . . )