- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد ] ] . وفي رواية لأبي داود : [ [ من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد ] ] . وروى الإمام أحمد وغيره أن عصيب بن الحرث Bه قال : بعثت إلى عبدالملك ابن مروان وقال إنا جمعنا الناس على أمرين رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر فقال أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم ؟ ؟ إلى شيء منهما قال ولم قال لأن النبي A قال : [ [ ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة . فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة ] ] . وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع ] ] . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ إن الله تعالى حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ] ] . وروى الطبراني بإسناد صحيح عن عمر بن زرارة قال : وقف على عبدالله بن مسعود وأنا أقص فقال يا عمر لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو أنت أهدى من محمد A وأصحابه ؟ قال : فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى ما بقي عندي أحد . والله أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نتهاون بتأخير الأوامر الشرعية بل نبادر لفعلها ولا نستأذن في ذلك أحدا لعلمنا بأن الأوامر الشرعية لا تتخذ حبالة للاستدراج بخلاف الأمور المستنبطة فربما دخلها الاستدراج فلا نفعل شيئا منها إلا بعد قولنا بتوجه تام دستور يا رسول الله نفعل كذا وكذا مما أذنت للأئمة أن يسنه في عموم قولك : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها . ثم لا نشرع في العمل بذلك إلا بعد سماع الإذن من رسول الله A بآذاننا لفظا فإن لم نسمع إذنه لنا لفظا تمهلنا حتى يلقى الله تعالى في قلبنا إذنه A لنا ورضاه بذلك الفعل مثلا وأن عملنا به أحب إليه A من ترك العمل وذلك لأن البدعة ولو استحسنت قد لا يرضاها الله ورسوله بقرينة ما رواه ابن ماجه والترمذي مرفوعا : [ [ من ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها ] ] .
فمن هنا قلنا إن من الأدب أن نستأذنه A في كل ما لم تصرح به الشريعة بخلاف ما صرحت به الشريعة فلا يحتاج إلى استئذان بل قال بعضهم : من احتاج إلى إذن فيها فإيمانه مدخول فليجدد إيمانه ويقول لا إله إلا الله ويلحق بما صرحت الشريعة في عدم استحباب الاستئذان فيه ما أجمع عليه .
وإيضاح ذلك أن الوقوف على حد ما ورد أكمل في الاقتداء به A من اتباع البدعة ولو استحسن لأننا في حال الوقوف على حد الشريعة متبعون وفي حال تعدينا لحدودها الصريحة مبتدعون ولو بالاسم وأيضا فإن نظر الشارع أتم وأكمل من نظرنا ولو بلغنا الغاية في الفهم على أنه قد استقرئ أنه ما تعدى أحد الشريعة وعمل بما ابتدع إلا وأخل بجانب كبير من صريح السنة المحمدية .
وإيضاح ذلك أن الله تعالى أنزل الشريعة على أعلى غاياتها فما ترك إلا ما علم تعالى أن خواص عباده لا يقدرون على المداومة عليه وجعل لكل مأمور شرعي وقتا فإذا زاد العبد على ذلك أخذ ذلك المزاد وقت غيره من باقي المأمورات ولم يبق له وقت يفعله فيه فمثل هذا زاد بدعة وترك سنة أو سننا بحسب ما ذهب في الابتداء وأيضا فإن الله تعالى ما ضمن المساعدة والمعونة إلا للعامل بما شرعه تعالى أو شرعه رسول الله A عن إذنه لا غيره وأما ما شرعه غيره فلم يضمن للعامل به المعونة كما أن من سافر إلى مكة بالزاد يحصل له المعونة من الله ذاهبا وراجعا لأنه سافر تحت الأمر بخلاف من يسافر بلا زاد لأنه لم يسافر تحت الأمر الإلهي فلذلك كان يقاسي من الشدائد ما لا يحصى .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : لو صفت القلوب كما أمر الله تعالى لوجد أصحابها جميع ما استنبطه المجتهدون من القرآن كالمنطوق به على حد سواء فإن الله تعالى يقول : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } . ولكن لما أظلمت القلوب وتكدرت من أكل الحرام والشبهات وارتكاب المعاصي والآثام خفي عليها منازع الأئمة وسموا كلامهم رأيا والحال أن كلامهم من صلب السنة .
وكان الشيخ محي الدين بن العربي C يقول : من أعطى الفهم في كتاب الله لا يحتاج قط إلى قياس فإذا جاء لمسألة ضرب الوالدين مثلا فلا يحتاج في القول بتحريمه إلى قياس الضرب على التأفيف وإنما يأخذ ذلك من مضمون قوله تعالى : { وبالولدين إحسانا } . ومعلوم أن الضرب ليس بإحسان فما احتجنا هنا إلى قياس وقس على ذلك .
فقف يا أخي عن العمل بكل شيء لم تصرح الشريعة بحكمه ولم تجمع العلماء عليه ولا تتعد فإن الله لا يؤاخذك إلا بما صرحت به الشريعة كما أنه لا يؤاخذ الصحابة إلا بما صرح به القرآن والسنة وقدر يا أخي نفسك أنك في زمن الصحابة وقبل وجود جميع المذاهب هل كان الحق تعالى يؤاخذك ما صرحت به الشريعة فكذلك القول الآن .
وقد ورد على شخص من الفقراء فقال لي مررت البارحة على شخص من علماء المالكية زائرا فقلت له عند الانصراف اقرءوا لنا الفاتحة فأبى وقال ما ثبت عن النبي A بقراءتها عند الانصراف فقلت لهذا الزائر الأمر سهل ليس علينا وزر إذا قرأنا الفاتحة عند الانصراف ولا إذا لم نقرأها فنمت تلك الليلة فرأيت النبي A وعاتبني على قولي الأمر سهل ثم أمرني بمطالعة مذهب الإمام مالك فطالعت الموطأ والمدونة الكبرى ثم اختصرتها ولفظه A : يا عبدالوهاب عليك بالاطلاع على أقوال إمام دار هجرتي والوقوف عندها فإنه شهد آثاري فعلمت بالقرائن من كلامه A أن الوقوف على حد ما ورد أحب إليه A مما ابتدع وإن استحسن إلا إن أجمع عليه .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى مجاهدة ورياضة شديدة على يد شيخ ناصح ليستنير قلبه ويصير أهلا لمجالسته A في حال عمله لسنته على الكشف والشهود أو على الإيمان والتسليم كالأعمى يعرف أنه جليس زيد وإن كان لا يراه .
فاعلم أن من عمل بشيء من الأوامر الشرعية غافلا عن شهود المشرع فما أدى الأدب معه حقه لأنه ما شرعه لك إلا لتحضر معه فيه .
وكان سيدي علي الخواص C يقول : ينبغي للعالم أن يشاور رسول الله A على كل فعل خالف صريح ما ورد في السنة وشهدت له ظواهر الشريعة وعموماتها كما في مسألتنا هذه فقد شهد لها عموم قوله A ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيه A إلا تفرقوا على أنتن من جيفة حمار . رواه الطبراني وغيره .
فليلحق مثل هذا بصريح السنة ولا حرج على فاعله بل له الأجر في ذلك وعلى هذا فتكون قراءة الفاتحة عند الانصراف وقبل التفرق أولى من تركها كزيادة العمامة على سبعة أذرع وكأخذ المعلوم على شيء من القربات الشرعية من إمامة وخطابة وتدريس علم وقراءة قرآن ونحو ذلك وإن لم يسمع لفظه A له بالإذن لأن ذلك أدب على كل حال . والله أعلم