- روى الطبراني مرفوعا : [ [ هلاك آخر هذه الأمة بالبخل وطول الأمل ] ] . وروى البزار مرفوعا : [ [ ينادي مناد كل يوم دعوا الدنيا لأهلها دعوا الدنيا لأهلها دعوا الدنيا لأهلها من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه أخذ حتفه وهو لا يشعر ] ] . وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماوات ] ] . وفي رواية : [ [ كان ممقوتا في ملكوت السماوات ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا بإسناد جيد عن ابن عمر قال : [ [ لا يصيب عبد من الدنيا شيئا إلى نقص من درجاته عند الله وإن كان كريما ] ] . قال الحافظ المنذري وروى مرفوعا والوقف أصح وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة ] ] . وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا : [ [ من أشرب حب الدنيا التاط منها بثلاث : شقاء لا ينفذ عناه وحرص لا يبلغ غناه وأمل لا يبلغ منتاه فالدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة يدركه الموت فيأخذه ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ] ] . وروى البيهقي مرفوعا : [ [ هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه ؟ قالوا : لا يا رسول الله قال كذلك صاحب الدنيا أي محبها لا يسلم من الذنوب ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نمكن محبة الدنيا من قلوبنا بحيث نغفل بها عن عبادة ربنا المشروعة ولا نكاثر بها أهلها ولا ننافس أحدا عليها سواء أكانت مالا أو وظيفة أو طعاما أو رياسة أو غير ذلك من سائر شهواتها سدا لباب نفوسنا إلى أهويتها . ثم إذا فتح الله علينا فتوح العارفين إن شاء الله تعالى وقد فعل بنا ذلك ولله الحمد فمن الأدب أن نمسك الدنيا بأسرها ولا نترك منها شيئا إلا عند العجز عنه ونقلب الشهوة المذمومة إلى الشهوة المحمودة من غير حجاب عن الله D ولا غفلة عن عبادته قال تعالى مادحا للكمل : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } . فأخبر أنهم مع قيامهم في الأسباب التي يحجب بها غيرهم لا يغفلون عن ذكر الله تعالى لأن الدنيا قد خرجت من قلوبهم وصارت في يدهم لا غير وما ذم الله تعالى حب الدنيا إلا إذا كان حبها بحكم الطبع ويبخل العبد بها عن المحتاجين وأما إذا وسع بها على المساكين وستر بها نفسه كفها بها عن سؤال الناس فنعمت الدنيا حينئذ وبئس رميها ولذلك ما ذم الله تعالى ذات الدنيا وإنما ذم الميل إليها فقط إذ لو كانت مذمومة لذاتها لم نؤمر بمسكها في حال من الأحوال فافهم . ولا يخفى أن مراد كل من ذم الدنيا من الشارع A أو غيره من صالحي المؤمنين الدنيا الزائدة على الحاجة أما ما يحتاج إليه فليس من الدنيا في شيء بل هو مطلوب إذ النكتة في ذم الدنيا إنما هو الاشتغال بها عن عبادة الله D لا غير فمن عصمه الله أو حفظه عن الوقوع فيما يلهى عنه تعالى فلا حرج عليه ولذلك طلب أيوب وسليمان الدنيا ومعلوم أنهما معصومان من طلب ما يشغلهما عن الله فافهم . وسمعت سيدي عليا المكزواني بمكة المشرفة يقول : فسق العارف بعد كماله يكون في تبسطه في الدنيا في مأكل وملبس ومنكح ومركب . وكان الفضيل بن عياض Bه يقول : إذا أحب الله تعالى عبدا زوى عنه الدنيا وإذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه وشغله بها عنه .
وسمعت سيدي عليا الخواص Bه يقول : كل شيء شغلك عن الله لحظة واحدة في الدنيا فهو مشؤوم عليك في الدنيا والآخرة . وكان سيدي محمد بن عنان C تعالى إذا أتاه أحد بشيء من الدنيا إنقبض وظهر أثر ذلك عليه . وأتاه مرة شخص بأربعين دينارا في صرة بعد صلاة الصبح فرماها في وجه صاحبها وقال له أما تستحي من الله تعالى تصبحنا بالدنيا ووبخه وقال له لا تعد إلى مثل ذلك أبدا . وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : ينبغي للشيخ المقتدى به أن يجعل عنده شيئا من النقد نحو المائة دينار زائدة عن حاجته ليدفع خاطر الاهتمام في الرزق فإنه يدق معه في المقامات ولا يزول فلكل شيخ له مشهد يدين الله تعالى به فB الصادقين . وبالجملة فلا يصح لك يا أخي عدم محبة الدنيا والمزاحمة عليها إلا بعد السلوك على يد شيخ ناصح تفني مرادك في مراده واختيارك في اختياره وإلا فلا تشم من الزهد فيها رائحة كما عليه غالب مريدي أشياخ هذا الزمان فيموت شيخهم وهو متحسر على رؤية أحد منهم أطاعه حتى صار زاهدا في الدنيا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم