- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : حق المسلم على المسلم خمس فذكر منها : وعيادة المريض وفي حديث الترمذي والنسائي مرفوعا : [ [ حق المسلم على المسلم ست فذكر منها وإذا مرض فعده ] ] . وفي حديث مسلم مرفوعا : [ [ إن الله D يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب : كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ] ] .
وروى الإمام أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكركم بالآخرة ] ] .
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة : من عاد مريض وشهد جنازة وصام يوما وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة ] ] . قلت فإن تعذر على العبد إعتاق رقبة فليقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فإنها تعدل عتق رقبة كما ورد . والله أعلم .
وروى الترمذي وحسنه وابن ماجه واللفظ له وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من عاد مريضا ناداه مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا ] ] . ولفظ ابن حبان : قال الله : طبت الخ .
وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم مسيرة سبعين خريفا ] ] . والخريف العام كذا فسره أنس بن مالك .
وروى الترمذي وقال حديث حسن مرفوعا : [ [ ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريفا في الجنة ] ] . وفي رواية لابن ماجه : [ [ إذا عاد المسلم أخاه مشي في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة ] ] قاله ابن الأنباري . وخرافة الجنة : هو اجتناء ثمرها يقال خرفت النخلة أخرفها فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المحترف [ المخترف ؟ ؟ ] من الثمر . قلت : زاد في رواية عن الإمام أحمد والطبراني قال أنس : يا رسول الله هذا الأجر للصحيح الذي يعود المريض فما للمريض ؟ قال : تحط عنه ذنوبه .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمه ] ] .
وروى ابن ماجه ورواته ثقات مشهورون إلا أن فيه انقطاعا مرفوعا : [ [ إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة ] ] . قلت : ودعاء الملائكة لا يرد لعصمتهم وكذلك كل من ترك المعاصي جملة من البشر استجيب دعاؤه فلا يلومن من رد دعاؤه إلا نفسه فإن الله تعالى مع العبد على حسب ما العبد معه عليه فإذا أمر الله تعالى العبد فلم يمتثل كذلك يدعوه فلم يستجب له . { جزاءا وفاقا } . والله أعلم . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور ] ] يعني بالمرض . وفي رواية لابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ لا ترد دعوة المريض حتى يبرأ ] ] . يعني ويعصي ؟ ؟ ربه فإن لم يعص فلا مانع من قبول دعوته . والله سبحانه وتعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نعود المرضى ونسألهم الدعاء امتثالا لقوله A : عودوا المرضى . ولا نعودهم لعلة أخرى من طلب الثواب أو مكأفأة فإنه ليس للعبد شيء حتى يطالب به الحق ولا يرى أنه كافأ أحدا عاده ولو تردد هو إليه ألف مرة اللهم إلا أن يطلب الثواب من باب الفضل والمنة لعلمه بأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا أو يرى أنه كافأه صورة لا حقيقة فله ذلك لكن في طلب الثواب دقيقة وهو أنه تعالى شرط في كونه لا يضيع أجر عبده أن يحسن عمله . وأي عبد يدعي أنه أحسن عمله حتى يطلب الثواب فهضم العبد نفسه بين يدي الله D واجب . وجواب هذه المسألة من علوم الأسرار لا يسطر في كتاب .
وقد رأيت جماعة من الفقراء لا يعودون مريضا إلا إن عرفوا من أنفسهم أن الله تعالى يجيبهم في تخفيف ذلك المرض عن المريض أو في نقله عنه إليهم أو إلى تماسيح البحر والوحوش المؤذية وإلا دعوا له في أماكنهم من غير ذهاب إليه ويقولون دليلنا في ذلك حديث : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له جميع الجسد بالحمى والسهر . ونحن لا قدرة لنا على المشاركة في البلاء ولا نقل المرض أو تخفيفه عنه فإن أقدرنا الله تعالى عليه حضرنا عنده ومثل هؤلاء يسلم لهم حالهم والعمل بالسنة المحمدية على الوجه المتعارف بين الناس أولى لأن منازع هؤلاء خفية وربما كسروا خاطر من لم يعوده أو أدخلوا عليه هما أو حزنا بعدم عيادتهم له ويقول لو علموا أنني أعيش أتوني وعادوني وفي الحضور عند المريض من غير شرط العمل بحديث : إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في الأجل فإنه أطيب لنفسه .
فطلب الشارع A الحضور عند المريض من غير شرط وأمرنا بالتنفيس عنه كقولنا له : أنت طيب بخير وعافية لا تخف ولكن لا تغفل عن التوبة والاستغفار فإن الله تعالى يقبل توبتك الآن لضعف الداعية إلى فعل ذلك الشيء الذي تتوب عنه . والقاعدة عند أهل الشريعة أن الميسور لا يسقط بالمعسور فعلى ما شرطه هؤلاء الأشياخ بتقدير تحمل المرض وتخفيفه إذ تعسر التحمل لا يسقط الحضور كما قالوا إذا لم يحفظ شيئا من القرآن يقف بمقدار ما كان يقرأ .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : لا ينبغي لمن يعود مريضا أن يكون متلطخا بذنب من الذنوب الظاهرة والباطنة فإن دعاء العصاة محجوب عن حضرة الإجابة بل الذي ينبغي أن يكون على طهارة ظاهرة وباطنة .
فعد يا أخي إخوانك امتثالا لأمر الشارع ولا تطلب منهم أن يكافئوك إذا مرضت بل افرح إذا لم يعدك أحد فإن تلك الضعفة ربما تكون هي القاضية ولا أحد يكافئهم عنك . { والله غفور رحيم } .
وإذا صرت عالما أو شيخ زاوية فإياك أن تتكبر عن عيادة أحد من المسلمين بل عد المسلمين كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم محترفهم وأميرهم لكن بنية صالحة بحيث لا ترى لنفسك بذلك فضلا على أحد ممن عدتهم من فقراء المسلمين فتنظر إلى ضخامتك في عيون الناس وحقارة ذلك الفقير فإن رأيت لنفسك فضلا على وجه الكبر أثمت وضللت عن السنة ضلالا مبينا وسيأتي في الأحاديث تقييد حصول الثواب بكونه محتسبا . والله أعلم .
وقد رأيت بعض المخنفسين يخص العوام بالزيارة والعيادة ويقول إنهم يحصل لهم جبر خاطرهم بزيارتنا وعيادتنا لهم لضخامتنا فنبهته على نقص هذا المشهد فتاب إلى الله تعالى وأمرته بالأخذ عن شيخ يخرجه عن علل الأعمال فامتثل وحصل له خير كبير وصار يستغفر الله تعالى من جميع إخلاصه الذي كان يشهده قبل الاجتماع بأهل الطريق : و { الحمد لله رب العالمين }