- روى الإمام مسلم في حديث مرفوعا : [ [ الطهور شطر الإيمان والصبر ضياء والصدقة برهان ] ] . قلت : ومعنى كونه ضياء أن صاحبه يحصل له نورانية في قلبه بالمرض فيدرك الحق والباطل . وأما من لم يصبر فهو في ظلمة يقع في كل محظور وأما كون الصدقة برهانا فهي لكونها دليلا على أن صاحبها يوقى من الشح الذي في نفسه . والله تعالى أعلم .
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا في حديث طويل : [ [ ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا أوسع من الصبر ] ] .
وروى الطبراني والحاكم مرفوعا في حديث طويل : [ [ الصبر أول العبادة ] ] .
وروى الترمذي مرفوعا : [ [ الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك ] ] .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله ] ] .
وروى مسلم مرفوعا : [ [ عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر وكان ذلك خيرا له وإن أصابته ضراء صبر وكان خيرا له ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله أو يدعو غير الله في كشفه ] ] . قلت : ويفهم من هذا الحديث أن من كان على طريقة يحبها الله تعالى وابتلى ببلاء فهو رفع درجات . والله تعالى أعلم .
وروى ابن ماجه وابن أبي الدنيا والترمذي وقال حسن صحيح عن سعد قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : [ [ الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا واشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فلا يبرح بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه : [ [ فمن ثخن دينه أشتد بلاؤه ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه ] ] .
وروى ابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا : [ [ إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر فقال أبو سعيد يا رسول الله من أشد الناس بلاء ؟ قال الأنبياء : قال ثم من ؟ قال العلماء . قال ثم من ؟ قال : الصالحون كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من فرحكم بالعطاء ] ] . قال A ذلك لما دخل عليه أبو سعيد وهو يتوعك عليه قطيفة فوضع يده فوق القطيفة فقال : ما أشد حماك يا رسول الله ؟ فقال : إنا كذلك يشدد علينا البلاء . الخ . قلت : والمراد بالعلماء في الحديث العلماء بالله تعالى وبأحكامه من حيث كونهم ورثة الأنبياء والمراد بالصالحين من شارك العلماء في العمل وتخلف عنهم في درجة العلم كالعباد ونحوهم من المقلدين . والله تعالى أعلم .
وروى الترمذي وابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا : [ [ يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض ] ] . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب ثم يؤتى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الأجر صبا ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وسحه عليه سحا فإذا دعا العبد وقال : يا رباه قال : لبيك عبدي فلا تسألني شيئا إلا أعطيتك إياه إما أن أعجله لك وإما أن أدخره لك ] ] .
وروى مالك والبخاري مرفوعا : [ [ من يرد الله به خيرا يصب منه أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء ] ] .
وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا : [ [ إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ] ] . وفي رواية لابن ماجه وغيره : [ [ ومن سخط فله السخط ] ] .
وروى أبو يعلي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فلا يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وأبو يعلي وغيرهما مرفوعا : [ [ إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله D ] ] .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إن الله D ليقول للملائكة انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء صبا فيحمد الله فيرجعون فيقولون يا ربنا صببنا عليه البلاء كما أمرتنا ؟ فيقول ارجعوا فإني أحب أن أسمع صوته ] ] . وفي رواية للطبراني أيضا مرفوعا : [ [ المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه ] ] .
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ] ] والنصب : التعب . والوصب : المرض . وفي رواية لمسلم مرفوعا : [ [ ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة ] ] .
وروى الترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا : [ [ ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ] ] .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من أصيب بمصيبة في ماله أو في نفسه فكتمها ولم يشكها للناس كان حقا على الله أن يغفر له ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا ] ] . وعاد رسول الله A رجلا من الأنصار فكب عليه فسأله فقال : يانبي الله ما غمضت منذ سبع ولا أحد يحضرني فقال رسول الله A : [ [ أي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها ] ] .
وروى الإمام أحمد ورواته ثقات إلا واحدا مرفوعا : [ [ إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير خبث الحديد ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا : أن رسول الله A قال لأصحابه : أتحبون أن لا تمرضوا : قالوا ؟ والله إنا لنحب العافية فقال رسول الله A وما خير أحدكم أن لا يذكره الله وفي رواية : فقال أتحبون أن تكونوا كالحمر ؟ .
وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا : [ [ إذا ابتلى الله D العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله D : للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار مرفوعا : [ [ عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو كان يعلم ما له في السقم لأحب أن يكون سقيما الدهر ] ] .
وروى أبو يعلي ورواته ثقات مرفوعا والبزار : [ [ لا تزال المليلة والصداع بالعبد والأمة وإن عليهما من الخطايا مثل أحد فما تدعهما وعليهما مثقال خردلة ] ] . والمليلة : هي الحمى تكون في العظم .
وروى رزين العبدري مرفوعا : [ [ يقول الرب سبحانه : وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا أريد أغفر له حتى استوفي كل خطيئة في عنقه بسقم في بدنه وإقتار في رزقه ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا ورواته ثقات مرفوعا : [ [ إن الله ليكفر عن المؤمن خطاياه كلها بحمى ليلة ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ من وعك ليلة فصبر ورضي بها عن الله D خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا : [ [ الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار ] ] . وفي رواية للبزار بإسناد حسن مرفوعا : [ [ الحمى حظ كل مؤمن من النار ] ] .
وروى البخاري والترمذي مرفوعا : [ [ إن الله D قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته الجنة ] ] يريد عينيه . وفي رواية لابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليها ] ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ عزيز على الله أن يأخذ كريمتي مؤمن ثم يدخله النار ] ] قال يونس يعني عينيه .
وروى البزار مرفوعا : [ [ لن يبتلي عبد بشيء أشد عليه من الشرك بالله ولن يبتلي عبد بعد الشرك بالله أشد عليه من ذهاب بصره ولن يبتلى عبد بذهاب بصره فيصبر إلا غفر له ] ] . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ من أذهب الله بصره فصبر واحتسب كان حقا على الله واجبا أن لا ترى عيناه النار ] ] . قلت : ومعنى حقا على الله واجبا أي من حيث الوقوع بحكم عوائد فضل الله تعالى وليس كما هو مقرر في العقائد . والله تعالى أعلم .
وروى الطبراني مرفوعا : عن جبريل عليه السلام عن ربه تبارك وتعالى قال : [ [ إن الله تعالى قال : ياجبريل ما ثواب عبدي إذ أخذت كريمتيه ؟ إلا النظر إلى وجهي والجوار في داري ] ] . قال أنس : فلقد رأيت أصحاب رسول الله A يبكون حوله يريدون أن تذهب أبصارهم . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نصبر على مصائب الزمان وإن لم نصبر صبرنا على عدم الصبر فإنه ابتلاء أيضا لما فيه من إظهار المروق من تحت الأقدار . ويحتاج صاحب هذا المقام إلى عينين : عين ينظر بها إلى تقدير الضجر عليه فيصير تحت الأقدار . وعين ينظر بها إلى الأمر بالصبر فيتصبر هذه صورة الصبر على عدم الصبر فافهم .
وكذلك نأمر بالصبر والتصبر جميع إخواننا إذا ابتلوا بشيء في أنفسهم أو أموالهم نخبرهم بما جاء من الأحاديث في فضل البلاء والمرض والحمى .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ ضرورة ليعلمه أدب المرض ويخبره بأنه ما مرض عضو من أعضاء البدن الظاهرة والباطنة إلا باستعماله في غير ما أمر به إلا أن يكون معصوما فمن عرف ما قلناه ووجعه عضو فليفتش نفسه فإنه لا بد أن يكون فعل به غير ما أمر فليعزم على التوبة النصوح فهي أقرب إلى شفاء ذلك العضو وقد أغفل هذا خلق كثير فلم يتنبهوا لما قلناه فدامت أمراضهم أو طال زمنها فكل عضو عليه زكاة فإن أخرجها صاحبه منه فقد أخرج ما فيه من الخبث والمرض وإن لم يخرجها فلا بد له قبل دخوله الجنة من التطهير إما بالعفو عنه من باب الامتنان وإما بالتوبة والاستغفار وإما بالعذاب في النار .
وقد قال لي شخص من العميان مقصودي أحد يفلي لي جبتي من القمل فلم أصغ إليه لا بنفسي ولا بغيري فآخذني الله تعالى بذلك وأطلع في جفن عيني دملين فصارا ينضحان قيحا وصديدا مدة سبعة أشهر حتى أنهما أجمعت الحكماء على أنهما تلفا وذهب ضوءهما وما بقي ينفع فيهما دواء فألهمني الله تعالى بتذكر ذلك الأعمى فتبت واستغفرت فخفف الألم من ذلك اليوم حتى استعجب الحكماء وقالوا هذا أمر رباني ما للخلق فيه عمل .
وكذلك وقع لي في سنة خمس وخمسين أن امرأة قالت لي أكتب لي للكاشف كتابا يخلص لي ولدي من الحبس فقلت لها ليس لي معرفة بالكاشف وتركت الكتابة لها فرمدت أكثر من شهر وضعف بصري عن قراءة الخط الدقيق بعد أن كنت أقرأ الكتابة التي في داخل القمر أقرأ حروفها وأنا إلى وقتي هذا على ذلك الحال من ضعف البصر وكذلك القول في الأذن إذا قال لك شخص اسمع لي حاجتي أو سورتي وكذلك القول في الفرج إذا حصل به فاحشة ونحو ذلك فلا تطمع في معافاتك من البلاء وأنت تستعمل أعضاءك في غير ما خلقت له أبدا بحسب مقامك فإن العارفين ربما آخذ الله أحدهم بنظره إلى غيره بغير إذنه فإن ذلك لا يكون .
ثم لا يخفى أن العارفين ربما كانت لهم مؤاخذتهم على ذنوب لم يؤاخذ بها غيرهم بحسب علو مقامهم .
وقد نظر عمر بن عبدالعزيز Bه ليلة إلى السماء فحصل في قلبه قساوة فحكى ذلك لأمه فقالت : يا ولدي لعلك نظرت إلى السماء على غير وجه الاعتبار والله تعالى ما أذن لك إلا في نظر الاعتبار .
ونظر بعض المريدين إلى أمرد فاسود وجهه وصار كقعر القدر حتى استغفر له الجنيد فزال سواده وكم نظر غيره إلى مثل ذلك ولا يسود له وجه فاعلم ذلك وقد نبهتك على أمر ما أظنه طرق سمعك من غيري قط فاشكرني عند ربك واحفظ جوارحك إن أردت سلامتها من العاهات والله يتولى هداك