- روى الترمذي وقال حديث حسن وابن ماجه والبزار والطبراني مرفوعا : [ [ من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي هذا به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء ] ] . وفي رواية للطبراني : [ [ فإنه إذا قال ذلك شكر تلك النعمة ] ] . وإسناده حسن . قلت : فينبغي لمن دخل مارستان المرضى أن يقول ذلك سرا عند كل مريض ليعافيه الله من جميع تلك الأمراض . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نكثر من مخالطة أهل البلاء بقصد كثرة حمدنا لله وشكرنا له الذي عافانا منه أي من ذلك البلاء كل ما نرى صاحبه وأما حديث : فر من المجذوم فرارك من الأسد . فإنما ذلك وارد في ضعفاء اليقين رحمة بهم كما رحم ضعفاء اليقين أيضا بنهيهم نهى شفقة عن الدخول في بلد فيه وباء أو طاعون وإلا فلو كان كل من خالط أهل البلاء ابتلى أو دخل بلدا فيها وباء مات ما سلم أحد من المخالطين ولا من الداخلين وكل من فر من الطاعون حتى انقضى زمنه ورجع تبين أنه لو لم يفر من الطاعون وجلس في بلده لكان لم يمت مثل غيره .
وأخبرني والدي C أن والده الشيخ علي الشعرواي Bه كان إذا رأى مجذوما أو أبرص دعاه وأكل معه اللبن والمائعات ويقول : بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه نويت جبر خاطر أخي هذا . قال : ودخل مرة بلدنا أجذم تقطر أطرافه صديدا فتقذر منه أهل البلد فأدخله داره وحلب له البقرة وسقاه من اللبن ثم شرب فضلته .
وكان أخي أفضل الدين C تعالى إذا رأى مبتلي يغشي عليه فإذا أفاق وقيل له في ذلك يقول : إنما خفت من سطوات الغضب الإلهي أن تلحقني لكوني أكثر منه عصيانا لله تعالى فحكمي حكم من كان متهوما هو وآخر بقتل شخص ثم مسكوا صاحبه وعاقبوه بحضرته وهو ينظر فإنه يخاف ضرورة ولو كان من أشجع الناس فإن الشجاع ماله قوة إلا في أول إقدامه على البلاء وأما إذا مسك وتوعد بالقتل والضرب وأنواع العقوبات فإن قلبه يتجزع فولله لقد خلقنا لأمر عظيم ولكن رحمة الله وسعت كل شيء .
فاعلم مما قررناه أن الحمد لله يعظم ويكثر عند مشاهدتنا أهل البلاء على الحمد الواقع في حال غيبتهم عن عيوننا . وقد كان سيدي إبراهيم المتبولي إذا دخل مصر المحروسة من بركة الحاج يبدأ بدخول المارستان فيدور على أهل البلايا ويسلم عليهم ويصبرهم ولا يسلم [ ولا يمر ؟ ؟ ] على أحد من أهل مصر إلا بعد أهل المارستان فما كان يخرج إلا وهو حامد شاكر لله تعالى بكل شعرة فيه .
وقد حبب لي أن أذكر لك يا أخي جملة من الأمراض التي عافاك الله منها منشورة على أعضاء البدن من الرأس إلى الرجلين لتحدث عند ذكر كل مرض شكرا لله D الذي عافاك من ذلك البلاء مع استحقاقك أضعافه لا سيما إن كنت من الصالحين أو من العلماء العاملين فإن ميزان الحق تعالى منصوبة على هؤلاء بالتأديب والبلاء والمحن حتى لا يغفلوا لحظة واحدة عن ربهم فإن الغفلة عن الرب عند أهل الله D من أعظم الذنوب التي يقع فيها و والله لو أن عبدا عبد الله D مدة الدنيا كلها بعبادة الثقلين ما أدى شكر معافاته من مرض واحد من الأمراض .
إذا علمت ذلك فأقول وبالله التوفيق : ينبغي للعبد أن يتذكر ما أنعم الله به عليه من العافية صباحا ومساء ويشكر الله تعالى على ذلك فكم ممن هو بالصداع الحار أو البارد لا يفتر عنه ساعة ؟ وكم ممن هو مبتلي بالشقيقه لا تدعه يستلذ بنوم وكم ممن هو بالضارب ليلا ونهارا حتى كاد أن يعمى بصره وكم ممن هو مبتلى بالماليخوليا والصرع والفالج والاسترخاء والنزلات والوساوس السوداوية والقطرب والكابوس وبرد الرأس وقروحه وسدد الدماغ وغير ذلك ؟ وكم ممن انصبت المواد الرديئة في عينيه حتى أشرف على العمى أو عمى .
وكم ممن طلع في عينيه السبل والظفرة والدمعة والشعرة والجرب والغشاوة والبياض .
وكم ممن نزل الماء في عينيه وتربى في أجفانه الدود فهو يغلي في جفونه ليلا ونهارا وكل يوم يقلبون جفنه ويلحسون الدود ليخف عنه الغليان .
وكم ممن تسلقت أجفانه وانتتف شعر عينيه أو ابيض حتى تشوهت صورته .
وكم ممن طلعت في عينيه قروح ودمامل ونملة وسرطان واشتد عليه الضارب وصار الدم والقيح ينضح من عينيه ليلا ونهارا .
وكم ممن تورمت أذناه واستدت وطرشت وصمت وتقرحت ودودت من صرصورها ولحقها الضارب حتى يحس الإنسان بأن وتدا من حديد يدق فيها ليلا ونهارا .
وكم ممن دخل في أذنه حيوان مؤذ فلم يقدر أحد على إخراجه فمنعه من الأكل والنوم .
وكم ممن طلعت في أنفه توتة أو طاعون فأكل أنفه حتى صار طاقة مفتوحة والقيح والصديد ينضح منه حتى تقذرته زوجته وطلبت فراقه .
وكم ممن طلعت في داخل أنفه قروح فعجز عن اندمالها .
وكم ممن أصابه الرعاف الدائم حتى أشرف على الموت من سيلان الدم .
وكم ممن طلعت داخل أنفه بواسير فصار أنفه يضرب عليه ليلا ونهارا .
وكم ممن تشققت شفتاه وتقرحت وطلعت الأكلة في فمه فأكلت دائره حتى صارت أسنانه بادية ونفرت منه زوجته أن يقبلها فطلبت فراقه وهو يحبها .
وكم ممن ضربت عليه أسنانه وأضراسه فمنعته النوم والأكل وشرب الماء وكم ممن هو أبخر الفم منتنه لا يستطيع أحد أن يقرب منه من شدة نتن فمه .
وكم ممن لعابه سائل على صدره ليلا نهارا مع بطلان شقيه بالفالج وغيره .
وكم ممن تورمت حلقه حتى صارت رقبته كخلية النحل من الورم وطلعت فيها الخنازير والعقد البلغمية وهي تنضح قيحا وصديدا ليلا ونهارا والفتائل مدسوسة فيها لا تختم من موضع إلا وتفتح في موضع آخر حتى منعته الأكل والشرب .
وكم ممن وقفت في حلقه شوكة أو علقة فما قدر أحد على أن يخرجها .
وكم ممن ثقل لسانه وتورم وتشقق .
وكم ممن طلع تحت إبطه طاعون أو خراج فأكل إبطه حتى صار طاقة .
وكم ممن ابتلى بضيق النفس والربو والسعال والنفس المنتن حتى منعه ذلك أن يضع جنبه في الأرض وكم ممن طلع في بدنه خراج فتورم وتشقق حتى لا يستطيع أن ثوبه يلمسه .
وكم ممن تورمت معدته واشتد لهبها ورياحها وحرقتها حتى صار لا يستلذ بطعام .
وكم ممن اشتد عليه الفواق والغثيان وكثرة القيء وانتفخت معدته واشتد لهيبها .
وكم ممن تورمت كبده وتقرحت .
وكم ممن حصل له الاستسقاء فعجزت الأطباء عن علاجه وصار بطنه منفوخا لا يقدر يضع جنبه على الأرض .
وكم ممن تورم طحاله وتورم جنبه وتمكن فيه المغص والقولنج حتى تمنى طلوع روحه فلم تطلع .
وكم ممن حصل له الإسهال المتواتر والزحير الدائم حتى صارت ثيابه وفرشه سائحة من البول والغائط وتمنى خادمه موته .
وكم ممن حصل له مرض جرد الكلي حتى تورمت كلاه وصارت تنزل قطعا قطعا .
وكم ممن دخل الحصى والرمل في كلاه .
وكم ممن تربت الحصاة في مثانته وقضيبه حتى صار يصيح كالمطلقة كلما يبول وكل قليل يشقون ذكره ويستخرجونها منه كالزيتونة وهو يتلوى على فراشه كالثعبان .
وكم ممن ابتلى بحرقة البول وتعقده أو إدراره أو تعسره حتى بال الدم وجمد في مثانته .
وكم ممن تورمت مقعدته أو فقئت أو طلع فيها خراجات أو بواسير أو نواصير أو شقاق حتى صار يحس ليلا ونهارا كأن دبره يشرح بسكين .
وكم ممن ابتلى بالتوتة والأبنة .
وكن ممن حصل له نشر العظم .
وكم ممن طلع في ذكره القروح والدمامل حتى تورم وصار كفخذ الرجل .
وكم ممن تورمت أنثياه حتى صارت كالبطيخة أو كالزير العظيم حتى صارت مدلاة بين رجليه إلى قدمه ولا يقدر يجلس على خلاء لوضوء ولا غيره وعدم لذة الجماع جملة واحدة .
وكم ممن تعارضت عنده الأمراض فكل دواء ينفع هذا يضر هذا كالقولنج والفتق حتى صار يتمنى الموت فلا يجاب .
وكم ممن ابتلى برمي الدم والقيح على الدوام حتى أنه يحس بقواه نفدت كلها فهو ميت في صورة حي .
وكم ممن ابتلى بالحب والفرنج وضربان المفاصل الحارة والباردة حتى تورم وتعقدت حتى صار لا يستلذ بأكل ولا بمنام .
وكم ممن ابتلى بالنقرس حتى صارت الدود يتناثر منه كرأس الكلب إذا دودت .
وكم ممن ابتلى بعرق النسا وبأوجاع الوركين والركبتين وترهلت أوراكه وأعضاؤه ووجهه وأطرافه .
وكم ممن ابتلى بوجع الظهر وبداء الفيل وبالكساح وبالفالج .
وكم ممن ابتلى بالأكلة في بدنه وبالحصباء والجرب والحكة والنملة والجمرة والبصرة والبهق والجذام الذي قطع أطرافه .
وكم ممن ابتلى بعمل الزغل أو بقتل قتيل أو الزنا بامرأة أو بسرقة فأمر الولاة بضربه مقارع وكسارات وحمى الطاسة الحديد ووضعها على رأسه أو عصر رأسه بجلد فيه نوى تمر حتى تخرج عيناه من أماكنها .
وكم ممن أمروا بكسر عظام يديه ورجليه بقدوم على حجر .
وكم ممن أسقوه جيرا وملحا حتى تسلخت أمعاؤه وتزلعت .
وكم ممن أمروا بخوزقته أو شنكلته أو توسيطه أو سلخه أو شرخه بين نخلتين أو وضعه في نقرة نحاس وأحموا تحته النار حتى نزل صديده ودمه من أبزازها .
وكم ممن دقوا في أصابعهم البوص وأطلقوا فيها النار .
وكم ممن حموا له كلبتين من حديد في النار ثم يخلعوا بهما من لحمه وأطعموه له .
وكم ممن حموا له مرودا من حديد حتى صار كالجمرة ثم دسوه في قضيبه أو عينيه فأسالهما أو فجرهما فعمى .
وكم ممن وقع في النار أو الماء المغلي فذاب جلده وتزلع .
وكم ممن طعن بحربة أو سكين أو ضرب بنشابة فجاءت في عينيه أو أذنه فغارت وانتزع نصلها ولم يقدر أحد على إخراجها .
وكم ممن شرب لبنا مسموما أو أكل طعاما مسموما فذاب لحمه .
وكم ممن لسعته أفعى فعمي في الحال وتقطع لحمه .
وكم ممن أكل بطيخا ونام فجاء ثعبان فدخل نصفه في حلقه فاستيقظ فوجد نفسه كذلك .
وقس على ما ذكرناه ما لم نذكره من سائر الآفات . وفائدة ذكر هذه الأمور شكر الله تعالى على عدم ابتلائنا بها وأنه تعالى لا يبتلينا بها في المستقبل إن شاء الله تعالى لالتجائنا إليه فاعلم ذلك وإياك أن تستبعد وقوعك فيما يقتضي هذه العقوبات والأمراض فإن غاية أصحابها أنهم وقعوا في حرام أو مكروه وكم وقعت يا أخي في ذلك . وإياك أن تستبعد وقوعك وإن تقع فانت معرض للعقوبات والأمراض وأسبابها ما دمت في هذه الدار وجائز في حقك أن تقتل النفس وتشرب الخمر وتزني بحليلة جارك ولو كنت شيخا في الطريق فالعاقل من خاف والسلام فتدبر يا أخي في هذا العهد واعمل به تجتن ثمرته والله يتولى هداك .
وكان سيدي علي الخواص C يستحضر جميع هذه الأمراض كلها كلما يقوم من النوم وكلما يريد النوم ويخبر أن ذلك كان من شأن إبراهيم المتبولي Bه وكان يقول : ينبغي أن لا يكتفي أمثالنا بالشكر باللسان في هذا الزمان لكثرة معاصينا وعدم إخلاصنا وإنما ينبغي أن يكون شكرنا بالفعل كقيام الليل وحفر الآبار وصوم الهواجر وكف النفس عن جميع الشهوات ونحو ذلك . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }