- روى الترمذي وقال حديث حسن وابن أبي الدنيا : أن رجلا جاء إلى النبي A فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل ؟ فقال : سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة ثم أتاه في اليوم الثاني فسأله فقال له مثل ذلك ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك قال : فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت . وروى الترمذي وحسنه والنسائي عن أبي بكر أنه قام على المنبر ثم بكى فقال : قام فينا رسول الله A عام أول على المنبر ثم بكى فقال : [ [ سلوا الله العفو والعافية فإن أحدكم لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية ] ] . وروى ابن ماجه بإسناد جيد مرفوعا : [ [ ما من دعوة يدعوا بها العبد أفضل من : اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة ] ] . وروى الترمذي وقال حديث حسن أن رسول الله A قال : [ [ الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد قالوا فماذا تقول يا رسول الله ؟ قال : سلو الله العافية في الدنيا والآخرة ] ] . وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما أن عائشة Bها قالت : قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر فماذا أقول فيها ؟ قال قولي : [ [ اللهم إنك تحب العفو فاعف عنى ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نميل إلى الضعف ونبادر عند نزول البلاء علينا إلى سؤال العفو والعافية ولا نتجلد إلا بما نعلم من أنفسنا بالقرائن من القدرة على الصبر عليه وهذا العهد يخل به كثير من الناس ممن يدعي الصلاح من غير سلوك على يد شيخ فيظهر القوة لتحمل ما فوق طاقته فربما تخلفت عنه العناية فيصير يقع في ألفاظ ربما يكفر بها .
وقد كان سفيان الثوري Bه يقول : نحن لا نخاف البلاء وإنما نخاف مما يبدو منا حال البلاء من السخط والضجر ثم يقول : والله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ؟ فلعلي أكفر ولا أشعر .
وسمعت أخي أفضل الدين C يقول : ليبحث العبد عن حكمة نزول المرض به هل هو رفع درجات أو عقوبات أو مكفرات ؟ فإنه لا يكاد يخرج عن هذه الثلاث ولكل منها علامة فعلامة كونه رفع درجات أن يقع مع انشراح وانفساح الصدر والرضا وعلامة العقوبة أن يقع مع الألم والسخط والاشمئزاز وعلامة المكفرات أن يقع مع الصبر وعدم السخط وأصل ذلك أن الله تعالى يجلس العبد في المقام المفضول حتى يتحقق به ثم بعد ذلك ينقله إلى المقام الأفضل فلذلك كان العبد يحبس في مقام الصبر مع عدم الانشراح للصدر ليحصل له الأجر الذي وعد الله به الصابرين ثم ينقله إلى مقام الرضا ليحصل له الأجر الذي وعد الله به الراضين فلا بد لكل كامل من حصول الأمرين ولو علت مرتبته فاعلم مما قررناه توجيه قول بعضهم إن المرض له ثلاث حالات : فإن كان المرض رفع درجات فلا ينبغي له سؤال العافية منه وكذلك إن كان عقوبة أو مكفرا ومن هنا سلم الأكابر لله تعالى ولم يسألوا الإقالة حقيقة وإنما سؤالهم تملق لله تعالى وإظهار للضعف لا غير .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : لا يخلو كامل من جزء فيه يمل من المرض لعدم طاقته للزيادة فما سأله الإقالة من المرض إلا ذلك الجزء وأما بقية أجزائهم فكلها راضية بالمرض وربما تلذذت به . وهذا تحقيق عظيم فC تعالى ما كان أدق نظره .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يخرجه من رعونات النفوس ومن دعوى القوة وغيرها من الدعاوي الكاذبة حتى لا يفتضح بشيء يدعيه في الدنيا والآخرة ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الدعاوي لما ليس من شأنه القدرة عليه .
وقد كنت أنا وأخي الشيخ أبو العباس الحريثي في جنازة فجاء لنا شخص من مشايخ الزمان وقال عندي من القوة الآن ما لو قبضت على الحديد لتعجن في يدي فأخرج له أبو العباس مفتاح كالون ؟ ؟ حديد فقال خذ هذا أرنا ما ادعيت فافتضح الشيخ المدعي ومن ذلك اليوم ما ادعى عندنا دعوى أبدا .
فاسلك يا أخي على يد شيخ يشهدك ضعفك حتى تجد نفسك أضعف من ناموسة كما هو شأن العارفين Bهم حتى إن بعضهم كلف بحمل ليمونة فلم يقدر وبعضهم لم يقدر يحمل على بدنه قميصا من الضعف وآثر العري إلا مع المئزر وبعض المجاذيب تعرى : و { لايكلف الله نفسا إلا وسعها } . وما أنكر مثل ذلك إلا من لا ذوق له في مقامات الرجال وأنشدني شيخنا شيخ الإسلام زكريا C : .
ولو يذوق عاذلي صبابتي ... صبا معي لكنه ماذاقها .
فمل يا أخي إلى الضعف الذي هو أساسك وسداك ولحمتك وإن جاءك قوة من الله تعالى في تحمل البلاء فهي عارضة والله يتولى هداك .
وقد كان بالإمام الشافعي Bه بواسير تنضح الدم ليلا ونهارا حتى صار لا يجلس إلا والطست تحته يتلقى ما يقطر من الدم فزاد به الألم يوما فقال اللهم إن كان في هذا رضاك فزدني فقال له شيخه مسلم بن خالد الزنجي : مه يا محمد لست أنا ولا أنت من رجال البلاء سل الله العفو والعافية هذا والإمام الشافعي Bه أحد الأوتاد الأربعة بشهادة الخضر عليه السلام كما نقله الشيخ محيي الدين بن العربي Bه عن الخضر عليه السلام فإذا كان هذا حال الأوتاد فما بال من هو غارق في شهوة فرجه وبطنه كأمثالنا نسأل الله العافية :