- روى الشيخان مرفوعا : سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله . وفي حديث الترمذي والحاكم في قصة الكفل الذي كان في بني إسرائيل وكان لا يتورع عن ذنب أنه دعا امرأة وراودها عن نفسها وأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما جلس مجلس الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال ما يبكيك ؟ قالت لأن هذا عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة فقال أو تفعلين هذا من مخافة الله ؟ فأنا أحرى بذلك اذهبي ولك ما أعطيتك والله لا أعصيه بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني واسحقوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به بنوه ذلك . فأمر الله الأرض أن أجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له ] ] . وفي رواية للشيخين مرفوعا : [ [ قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا مت فأحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له ] ] . وروى الترمذي والبيهقي مرفوعا : [ [ قال الله D أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه فيما يروي A عن ربه D أنه قال : [ [ وعزتي وجلالي لا يجتمع على عبدي خوفان وأمنان إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ] ] . وروى البخاري والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفراش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله إني لوددت أني شجرة تعضد ] ] . والصعدات : الطرقات . وروى أبو الشيخ مرفوعا : [ [ من خاف الله D خوف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نخاف من سطوات ربنا وغضبه علينا ليلا ونهارا ولا نأمن مكر الله علينا في ساعة من ليل أو نهار .
واعلم يا أخي أن أحدا لا يستغني عن الخوف ولا يسقط عنه ولو بلغ الغاية ما دام في هذه الدار إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعصمتهم وأما ما عداهم فمن حقه الخوف حتى يضع قدمه في الجنة لأنه من المقامات المستصحبة بعد الموت بخلاف نحو مقام التوبة والتقوى فإنه خاص بالحياة مدة التكليف .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : إذا خافت الأمم كلها كان الأنبياء كلهم آمنين وإن وقع منهم خوف فإنما ذلك على أممهم .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به الطريق حتى يزيل حجبه الكثيفة المانعة له من الخوف فإن الإنسان كلما قرب من حضرة الله D استعظمه وخاف منه وكلما بعد وحجب فبالعكس نظير ذلك في الدنيا أصحاب حضرة السلطان فترى عندهم من الخوف منه ومن سطوته ما ليس عند البعداء عن حضرته وربما شتمه هؤلاء ونقصوه بخلاف من كان من أهل حضرته ؟ وقد كان السلف الصالح كلهم على قدم الخوف حتى ماتوا لعلوا مقامهم وقربهم من ربهم وخلفهم أقوام ليس عندهم من الخوف إلا الاسم فإن أعمالهم تكذب أقوالهم .
وقد كان الحسن البصري Bه يقول : والله لقد أدركنا أقواما لو رأوكم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب .
ورأى شخص في المنام مالك بن دينار في الجنة فأتاه يبشره بذلك فقال له مالك أما وجد إبليس أحدا يسخر به غيري وغيرك وكانت السحابة إذا مرت عليه وهو يملي الحديث يسكت ويرتعد ويقول اصبروا حتى تمر فإني أخاف أن تكون فيها حجارة ترجمنا بها . وسألوه مرة أن يخرج معهم للاستسقاء فقال بالله عليكم اتركوني فإني أخاف أن لا تسقوا بسببي .
وطلب جماعة من سيدي عبدالعزيز الديريني كرامة وقالوا مرادنا شيء يقوي يقيننا واعتقادنا فيك حتى نأخذ عنك الطريق فقال : يا أولادي وهل ثم كرامة من الله لعبدالعزيز أعظم من أن يمسك به الأرض ولم يخسفها به وقد استحق الخسف به من سنين ؟ فقال له شخص إن الخسف لا يكون إلا للكفار وأنتم من المؤمنين فقال قد خسف الله تعالى بشخص لبس حلة وتبختر فيها في مكة كما في البخاري عن ابن عباس وكم لعبدالعزيز من ذنب أعظم من التبخر .
وكان معروف الكرخي إذا استيقظ من منامه يمسح على وجهه بيده ويقول : الحمد لله الذي لم يغير صورتي في صورة كلب أو خنزير لسوء أدبي .
وكان تلميذه السري السقطي ينظر إلى أنفه في اليوم كذا مرة مخافة أن يكون قد اسود وجهه وإنما خص الأنف بالنظر لكون الإنسان لا ينظر من وجهه غيره .
وكانت رابعة العدوية لا تنام الليل وتقول أخاف أن أوخذ على بيات ؟ ؟ وكانت تنام وهي تمشي في الدار فإذا قيل لها في ذلك تنشد : .
وكيف تنام العين وهي قريرة ... ولم تدر في أي المنازل تنزل .
وأحوال السلف الصالح في الخوف كثيرة ومشهورة فطالع يا أخي في مناقبهم وإياك والاقتداء بأهل هذا الزمان المتمشيخين بأنفسهم فإنك ربما هلكت .
وكان آخر الخائفين من الإخوان الذين أدركتهم الأخ الصالح الشيخ أبا الفضل الأحمدي C تعالى . رأيت مرة قائلا يقول لي يا فلان ما صحبت في عمرك مثل أبي الفضل ولا تصحب فحكيت ذلك له فارتمى إلى الأرض وصار يفحص بيديه ورجليه كالطير المذبوح فلما أفاق قال لي قتلتني في هذا النهار ومن أنا حتى تتكلم بي الهواتف ؟ والله ما أظن إلا أن الله تعالى ينظر إلي نظر الغضب ليلا ونهارا ولكن أسأله بنبيه محمد A أن يمن علي بحسن الخاتمة والموت على التوحيد آمين .
وقد كان الإمام أبو بكر الصديق صاحب سيد الأولين والآخرين A يقول : والله لوددت أن أكون شجرة تعضد فكيف بأمثالنا ؟ .
فاسلك يا أخي عل يد شيخ حتى يخرجك من مواطن تلبيس النفس والشيطان وتصير تخاف من الله تعالى لتأمن من عذابه يوم القيامة فإن من خافه هنا أمن منه هناك وبالعكس وتأمل قوله تعالى : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } . تعثر على جميع ما قلناه وذلك أن المتقي ما حشر إلى الرحمن الذي يعطي الرحمة إلا لكونه كان في دار الدنيا جليس أسماء الخوف والانتقام ولذلك اتقى ربه ولو أنه كان جليس أسماء الحنان واللطف والمغفرة لما خاف وكان يقع في كل محظور فافهم . والله تعالى أعلم