- روى ابن ماجه والترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت ] ] . وفي رواية للطبراني بإسناد حسن مرفوعا : [ [ أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزأه [ أجزله ؟ ؟ ] ] ] . أي كثره وهاذم بالذال المعجمة أي قاطع .
وروى البزار وغيره بإسناد حسن : أن النبي A مر بمجلس وهم يضحكون فقال : [ [ أكثروا من ذكر هاذم اللذات أحسبه قال : فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه ولا في سعة إلا ضيقت عليه ] ] .
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا قال : كانت صحف موسى عليه السلام عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ؟ وعجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك وعجبت لم آمن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل .
وروى الترمذي والبيهقي : أن رسول الله A دخل مصلاه فرأى قوما كأنهم يكتشرون أي يضحكون فقال : أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات الموت لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هاذم اللذات الموت الحديث بطوله .
وروى الطبراني عن أبي هريرة Bه قال : خرجنا مع رسول الله A في جنازة فجلس إلى قبرها فقال : ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت زلق طلق يا ابن آدم نسيتني ألم تعلم أني الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه . الحديث .
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد : أن رجلا من الأنصار قال : يا رسول الله من أكيس الناس وأحزم الناس ؟ قال أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم استعدادا للموت أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة .
وروى الطبراني بإسناد حسن والبزار : أن رجلا مات من أصحاب النبي A فجعل أصحاب النبي A يثنون عليه ويذكرون من عبادته ورسول الله A ساكت فلما سكتوا قال رسول الله A : هل كان يكثر ذكر الموت ؟ قالوا : لا قال : فهل كان يدع كثيرا مما يشتهي ؟ قالوا لا قال : ما بلغ صاحبكم كثيرا مما تذهبون إليه .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ كفي بالموت واعظا وكفى باليقين غنى ] ] .
وروى البزار مرفوعا : [ [ أربعة من الشقاء : جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ يهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل ] ] .
وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي وأبو نعيم والأصبهاني أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار لأجل فبلغ ذلك رسول الله A فقال : ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت قدمي وظننت أني أضعه حتى أقبض ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت والذي نفسي بيده إن ما توعدون به لآت وما أنتم بمعجزين .
وروى الطبراني أن رسول الله A اطلع على أصحابه ذات عشية فقال : [ [ يا أيها الناس ألا تستحيون ؟ قالوا : مم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تعمرون وتؤملون ما لا تدركون ألا تستحيون من ذلك ؟ ] ] .
وروى البخاري والترمذي عن عبدالله بن عمر قال : أخذ رسول الله A بمنكبي فقال : [ [ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل . وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ] ] . ورواه الترمذي والبيهقي بلفظ : [ [ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك في أصحاب القبور وقال لي يا ابن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا ] ] .
وروى أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عبدالله بن عمر قال : مر بي رسول الله A وأنا أطين حائطا لي أنا وأمي فقال : ما هذا يا عبدالله ؟ قلت يا رسول الله خص وهي فنحن نصلحه فقال ما أرى الأمر إلا أسرع من ذلك . وفي رواية لهم أيضا عن ابن عمر قال : مر علينا رسول الله A ونحن نعالج خصا لنا وهي فقال : ما هذا يا عبدالله ؟ فقلت خص لنا وهي فنحن نصلحه فقال : ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك .
وروى البخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي عن ابن مسعود قال : خط النبي A خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خطوط صغارا إلى هذا الذي في الوسط فقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأ هذا نهشه هذا وإن أخطأ هذا نهشه هذا . وهذه صورة خط النبي A كما نقله الحفاظ : رسم مربع ؟ ؟ .
وفي رواية للبخاري والنسائي واللفظ للبخاري عن أنس قال : خط النبي A خطا وقال هذا الإنسان وخط إلى جانبه خطا وقال هذا أجله وخط خطا آخر بعيدا منه فقال : هذا الأمل فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب .
وروى الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد في قوله تعالى : { اقتربت الساعة } فقال النبي A : [ [ لا تزداد منهم إلا بعدا ] ] . وفي رواية : [ [ ولا يزداد الناس على الدنيا حرصا ولا يزدادون من الله إلا بعدا ] ] .
وروى الحاكم والبيهقي : أن رجلا قال يا رسول الله أوصني فقال : [ [ عليك بالإياس مما في أيدي الناس وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر وصل صلاتك وأنت مودع وإياك وما يعتذر منه . يعني في الدنيا والآخرة ] ] .
وروى مسلم مرفوعا : [ [ بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم ] ] . وفي رواية للترمذي مرفوعا : [ [ بادروا بالأعمال سبعا فهل تنتظرون إلا مرضا مفسدا أو هرما مفقدا أو موتا مجهزا ] ] الحديث .
وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ] ] .
وروى ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن مرفوعا : [ [ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ] ] .
وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن مصعب بن سعيد عن أبيه قال الأعمش ولا أعلمه إلا عن رسول الله A قال : [ [ التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة ] ] . قال الحافظ : لم يذكر الأعمش من حدثه ولم يجزم برفعه . والتؤدة : هي التأني والثبات والتثبت وعدم العجلة .
وروى الترمذي والبيهقي مرفوعا : [ [ ما من أحد يموت إلا ندم ؟ قالوا : وما ندامته يا رسول الله قال : إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع ] ] .
وروى الحاكم وقال صحيح على شرطهما مرفوعا : [ [ إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل وكيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي مرفوعا : [ [ إذا أحب الله عبدا عسله قالوا وما عسله يا رسول الله ؟ قال : يوفق له عملا صالحا بين يدي رحلته حتى يرضى عنه جيرانه أو قاثل ؟ ؟ من حوله ] ] .
وروى البخاري مرفوعا : [ [ أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة ] ] .
وروى الحاكم وقال صحيح على شرطهما مرفوعا : [ [ من عمر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ] ] .
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي مرفوعا : [ [ ألا أنبئكم بخيركم ؟ قالوا نعم يا رسول الله ؟ قال : خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا ] ] .
وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح والطبراني وغيرهما : أن رجلا قال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال من طال عمره وحسن عمله . قال : فأي الناس شر ؟ قال : من طال عمره وساء عمله .
والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نتعاطى الأسباب التي تذكرنا بالموت وتقصر أملنا كمعاشرة العباد والزهاد في الدنيا امتثالا لقوله A : اذكروا هاذم اللذات . وما لا يتوصل إلى فعل المأمور إلا به فهو من جملة المأمور واجبا لواجب ومندوبا لمندوب . فاعلم أن من عاشر الراغبين في الدنيا كالتجار والذين يسعون على الوظائف والأنظار ليلا ونهارا وطلب أن يكون الموت على باله فقد رام المحال . ورأى سيدي علي الخواص تاجرا يبني له دارا ويغرس له فيها جنينة وقد طعن في السن فقال لفقير كان بجواره ارحل يا أخي وإلا فتنك جارك بعمارته وأنساك الموت والآخرة فرحل الفقير . وسمعته مرة أخرى يقول : من الأضداد أن من يذكر الموت يحيا قلبه ومن ينساه يموت وذلك لأن من لازم ذكر الموت قصر الأمل والمبادرة في العمل فمثل هذا ولو طال عمره فعمله حسن إن شاء الله تعالى وذلك أعظم ما يكون العبد عليه . فاعلم أن من أعظم نعم الله تعالى على العبد أن يقصر أمله ويطول عمره ويحسن عمله وهناك ينشد لسان حاله للمحجوبين عنه : .
لا تظنوا الموت موتا إنه ... لحياة هي غايات المنى .
لا ترعكم فجأة الموت فما ... هي إلا نقلة من ههنا .
وإيضاح ذلك أن كل من جاهد نفسه حتى قتلها بسيوف المجاهدات وترك لذات المنام وأكل الشهوات فإنما هو ينقل من دار إلى دار فلا يتأثر على فوات دار الدنيا إلا ليعمل فيها خيرا لا غير . وأما تعاطيه لذاتها وشهواتها فيندم عليها غاية الندم ويفرح لمفارقتها وأما من لم يجاهد نفسه فيما ذكرناه فهي متعشقة للدنيا مشتبكة بعلائقها كاشتباك الصوف المبلول بالشوك فيقاسي في طلوع روحه الشدائد وإنما شدد على الأكابر طلوع روحهم مع كونهم لا التفات لهم إلى الدنيا ولا تعشق لهم بها إلا من حيث وفور شفقتهم على أصحابهم لعدم وصولهم إلى ما كانوا يطلبونه لهم من المقامات فكان مقصود الأكابر تأخير أجلهم ليكملوا أصحابهم وليس مقصودهم البقاء في الدنيا لحظ نفوسهم فافهم ولذلك قال بعض الأنبياء لجبريل عليه السلام : ألا تراجع ربك في التأخير ؟ قال : جف القلم مما هو كائن . ويؤيد ما قررناه قول الجنيد في معنى قوله A : إنه ليغان على قلبي فأستغفر ربي في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة . أن المراد به أنه اطلع على ما تقع فيه أمته من المعاصي بعده فكان يستغفر الله تعالى لهم لا له لأنه A لا ذنب عليه فقال له قائل فما المراد بقوله تعالى : { واستغفر لذنبك ؟ } . فقال : المراد به ذنب أمته وإنما أضيف إليه لأنه هو المشرع لتحريمه فكأنه قيل له استغفر لأهل الذنب الذي حرمته شريعتك . هكذا رأيته عن الجنيد منقولا في بعض الكتب وهو اللائق بمقام رسول الله A . وسمعت أخي أفضل الدين C يقول يهون الموت على كل إنسان من الأمة ويصعب بقدر جهاده لنفسه فمن بقي عليه بقية مجاهدة صعب عليه طلوع الروح بقدرها والناس بين مقل ومكثر . وأما الخواص الذين لم يبق عليهم من مجاهدة نفوسهم بقية كأبي بكر الصديق وأضرابه فلا يتأثر بطلوع روحه أبدا وإنما يتأثر الجسم من حيث فراق من كان سببا لحياته المدبرة له فإن الله تعالى أوحى إلى الروح إن ادخلي كرها واخرجي كرها : أي ادخلي كرها عليك وأخرجي كرها على الجسد وذلك لأنها من عالم الانفساح والسراح والجسم يقيدها فيه عن سرحها وقد أنشد سيدي علي بن وفا Bه في الروح مخمسا : .
قد سمعت الروح تحكي ... أن نفس المتزكي .
أنشدت كالمشتكي ... أنا في الغربة أبكي .
ما بكت عين غريب .
بعد روضي ومروجي ... وارتفاعي وعروجي .
صرت في الضيق الحريجي ... لم أكن عند خروجي .
من مكاني بمصيب .
كنت حقا روح ملكي ... فتغربت بدركي .
مع وهم خلد إفكي ... فاعجبوا لي ولتركي .
وطنا فيه حبيبي .
وأنشد ابن سينا في الروح : .
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تحجب وتمنع .
محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع .
وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك وهي ذات تفجع .
أنفت وما سكنت فلما واصلت ... ألفت مجاورة الخراب البلقع .
وأظنها نسيت عهودا بالحمى ... ومدامعا هطلت ولم تتقطع .
إذا عاقها الشرك الكثيف وصدها ... قفص عن الأوج الفسيح المرفع .
حتى إذا قرب المسير إلى الحمى ... ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع .
هجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت ... ما ليس بالعيون الهجع .
فكأنما برق تلمع بالحمى ... ثم انطوى فكأنه لم يلمع .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يخلصه من العوائق والحجب التي تحجبه عن شهود الدار الآخرة وأهوالها ويعرفه أنه ما دام في هذه الدار فرسل الله تعالى مرسمة ؟ ؟ عليه تكتب عليه جميع ما شاء الله تعالى من الأقوال والأفعال فكأنه في سجن فإذا خرجت روحه فكأنه أطلق من السجن ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه نسيان الموت والدار الآخرة كما هو حال أكثر الناس اليوم فكلنا في غمرة ساهون نسأل الله اللطف : وفي الحديث : من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى أبي بكر الصديق Bه . وإنما سماه رسول الله A ميتا لأنه مات عن التدبير والاختيار مع الله تعالى وسلم نفسه لمجاري الأقدار ولم يبق عنده نزاع لها . فاسلك يا أخي على يد شيخ ليصير الموت نصب عينيك طبعا من غير تكلف فلا ترى إلا عاملا بخير أو مستغفرا من ذنب قد سبق على أيام السلوك لك والله تعالى هداك