- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا عن عائشة Bها قالت : [ [ كان لرسول الله A حصير وكان يحجره بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي A يصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال : يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل ] ] . وفي رواية عنها : وكان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه قالت : وسئل رسول الله A أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : [ [ أدومه وإن قل ] ] . وفي رواية عنها أن رسول الله A قال : [ [ سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ] ] . كل هذه الروايات في الصحيحين وفي رواية لمالك والبخاري أيضا : [ [ إن أحب الأعمال إلى الله تعالى الذي يدوم عليه صاحبه ] ] . وكانت عائشة إذا عملت عملا أثبتته يعني داومت عليه وإن قل . وقيل لعائشة Bها : هل كان رسول الله A يخص شيئا من الأيام ؟ قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله A يستطيع ؟ ومعنى يحجره في الرواية الأولى : يتخذه حجرة وناحية فينفرد عليه فيها ومعنى يثوبون يرجعون إليه ويجتمعون عنده . وروى ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة قالت : [ [ ما مات رسول الله A حتى كان أكثر صلاته وهو جالس ] ] يعني في النوافل وكان أحب الأعمال إليه ما داوم عليه العبد وإن كان يسيرا . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد من رسول الله A ) أن نداوم على العمل ولو قل فإننا كل يوم في قرب من الأجل فاللائق بنا استغنام العمل لا تركه وهذا العهد يخل به كثير ممن يتعبد بنفسه من غير شيخ فيتعاطى أعمالا شاقة فتمل نفسه فيترك العمل آخر عمره جملة واحدة ولذلك تقول الناس حبل العبادة طويل . وقد كان شخص من الناس اجتمع علي فجعلته يفتتح المجلس بالجماعة لما كان عليه من المواظبة على الأوراد والخيرات ثم بعد مدة سلبه الله تعالى ذلك الخير كله وصار كالفخارة الفارغة وزال ذلك البريق الذي كان على وجهه فإن كل من لا شيخ له إذا أكثر العبادات فلا بد أن يمل منها ويذهب ميله إليها حتى لا يبقى له إليها داعية أو يعجب بها وهذا مكر من الله تعالى به بلا شك وقد مدح الله تعالى رجالا بقوله : { رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } . فكن يا أخي مع هؤلاء ولا تكن مع من مكر به من الناكثين لعهود أشياخهم فلعلك يدور فيك ماء الحياة ويخضر عودك فلا تمل من العمل . وقد كان السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم إذا دخل أحدهم في سن الأربعين سنة أقبل على عبادة ربه حتى لو قيل له غدا تموت لا يجد له زيادة على ذلك العمل الذي هو عليه Bهم أجمعين . ويتعين العمل بهذا العهد على الدعاة إلى الله تعالى لأنه متى لم يكن الشيخ أكثر عملا من المريد لا يتم اقتداؤه به وإذا ترك الشيخ عبادة كان يفعلها اقتدى به المريد ضرورة ولذلك قام A حتى تورمت قدماه وكان أواخر عمره أكثر صلاته في بالليل جالسا ولم يترك العمل ولذلك كان أتعب A من بعده فما تورمت أقدام أحد بعده إلا نادرا فلا تجد يا أخي أتعب قلبا ممن يكون قدوة أبدا . { والله غفور رحيم }