- روى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : يقول ربكم D : [ [ يا ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ قلبك نورا وغنى وأملأ يديك رزقا . يا ابن آدم لا تباعد مني املأ قلبك فقرأ واملأ يديك شغلا ] ] . وروى ابن ماجه والترمذي واللفظ له وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال : [ [ تلا رسول الله A : من كان يريد حرث الآخرة الآية ثم قال : يقول الله : [ [ يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك ] ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبيها ملكان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خيرا مما كثر وألهى ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نفرغ أنفسنا للعبادة والإقبال على الله تعالى لا سيما إذا بلغنا الأربعين سنة .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ ناصح يسلك به حتى يقطع علائقه الدنيوية كلها أو يقلبها بالنية الصالحة إلى مرضاة الله تعالى مع بقائه إذ ما من شيء في الوجود إلا وله وجهان : وجه مقرب إلى الله تعالى ووجه مبعد عنه فيأخذ العبد الوجه المبعد فيقلبه فيصير مقربا .
فامتحن يا أخي بهذا الميزان جميع الأعمال ما عدا المعاصي ومن قال : إن المعاصي قد تقرب العبد لما يقع فيها من الذل والانكسار فمراده أثرها لا عينها . وتأمل قول الشيخ تاج الدين بن عطا الله : معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبار فجعل الخيرية في أثر المعصية لا في عين المعصية فلا يصح إجماعا أن يفهم أحد عن القوم أنهم يقولون إن المعصية تقرب إلى الله تعالى أبدا فإن الحس يكذب هذا القائل فلو أراد العاصي أن يحصل له بالله وصلة بوقوعه في المعصية لا يصح ذلك له أبدا بل يجد حبل الوصلة بشهوده تعالى أو شهود حضرته انقطع .
وقد جاء شخص إلى الجنيد Bه فقال : يا سيدي أنا صرت آتي المعاصي وأنا مشاهد لله D من كونه خالقا لتلك المعصية فقال له الجنيد : هذا تلبيس من الشيطان ولو حققت النظر لوجدت نفسك حال المعصية لا يصح لها مشاهدة الحق تعالى مطلقا ثم لو قدر أنك شاهدته تعالى لشهدته ساخطا عليك غير راض عنك وهو كلام نفيس .
فاسلك يا أخي على يد شيخ يقطع علائقك أو يقلبها إلى خير كما قررنا إن أردت العمل بهذا العهد وإلا فمن لازمك كثرة العوائق عن ربك حتى تموت وقد عجز الأكابر فضلا عن مثلك أن يعرفوا طريق قطع علائقهم بأنفسهم من غير شيخ فلم يقدروا فلا يزال الشيخ يأمرك بإزالة العوائق واحدا بعد واحد حتى لا يبقى إلا واحد فيقول لك أزله وها أنت وحضرة ربك .
وتحتاج يا أخي إلى طول زمان وصبر على مأمورات شيخك وغالب الناس يرجع من الطريق فلا يحصل من قطع العلائق على طائل . وإيضاح ذلك أن طريق السير في الطريق طريق غيب والمريد كالأعمى الذي يريد يسلك طريقا طول عمره ما سلكها والشيخ كالمسافر الذي سلكها في نور الشمس زمانا طويلا فعرف مهالكها كلها فهو بتقدير أنه يعمي أو يسير في ظلمة الليل يعرف المهالك الطرق المسدودة كدليل الحاج سواء فمن سلم للشيخ وانقاد له قطع تلك الطريق ونجا من العطب ومن لم يسلم للشيخ لا يعرف يمشي وربما وقع في مهلكة فلم يعرف يخرج منها حتى يموت ولولا أنها طريق غيب لا يقدر أحد على سلوكها وحده ما كان للدعاة إلى الله فائدة من أنبياء وأولياء وعلماء فلا بد من مزيد خصوصية فتأمل .
فإن قال لنا قائل : الأعمال مقسومة لكل شخص فمن قسم له شيء فلا بد أن يفعله فلا نحتاج إلى آمر بذلك . قلنا : والآمر أيضا مقسوم فلا بد أن يقع فليس للشيخ مدخل في القسمة وإنما له مدخل في إصلاح العبادة وتعليم المريد كيفية فعلها على الوجه الشرعي بحيث يخلص من الآفات .
وقد أجمع الأشياخ على أنه لو صح لعبد أن يأتي بالمأمورات على الوجه الذي أمره الله تعالى به من غير خلل لما احتاج أحد إلى شيخ لكن لم يصح لهم ذلك فاحتاجوا ضرورة إلى من يبين لهم مراد الحق فلذلك احتاج أتباع المجتهدين إلى المجتهدين ليبينوا لهم مراد الشارع ومقلدو الأتباع إلى من يبين لهم مراد المجتهدين وهكذا فكل أهل دور يعرفون مراد الدور الذي قبلهم لقربهم منهم ولو أراد الذين بعدهم أن يعرفوا الواسطة التي قبلهم ويستقلوا بفهم كلام من قبلهم على وجهه لا يقدرون .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : من شرط عبدالله الخالص أن يكون له مانع يمنعه عن دخول حضرته تعالى ومتى كان عنده مانع فهو عبد ذلك لا عبد المخصوص .
وسمعت سيدي عليا المرصفي C يقول : كل مريد أمره شيخه برمي ما بيده من الدنيا فأبى فقد مكر به واستحق الطرد عن حضرة الله تعالى فلا يرجى له فلاح بعد ذلك أبدا فهنيئا لمن جعل خده أرضا لأستاذه يمشي عليه بنعله . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }