على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا للألم والأذى في العاجل ومنع لذات في الآجل .
فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألما وشهوة تورث ندما وكفى بهذا القدر مدحا للعقل وذما للهوى .
ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إلى التلف فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك وقد يقع التساوى بينهما في الميل بالهوى .
وبهذا القدر فضل الآدمي على البهائم أعني ملكة الإرادة لأن البهائم واقفة مع طباعها لا نظر لها إلى عاقبة ولا فكر في مآل فهي تتناول ما يدعوها إليه الطبع من الغذاء إذا حضر وتفعل ما تحتاج إليه من الروث والبول أي وقت اتفق والآدمي يمتنع عن ذلك بقهر عقله لطبعه .
وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالبا وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمال الأحوط في كف الهوى إلى أن يتيقن السلامة من الشر في العاقبة .
وينبغي للعاقل أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته .
وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بذلك عشر التذاذ من لم يدمن غير أن العادة تقتضيه ذلك فيلقى نفسه في المهالك لنيل ما يقتضيه تعوده ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته لرأى أنه قد شقى من حيث قدر