الباب الثاني في ذم الهوى والشهوات .
أعلم أن الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل وإلى المشرب ما شرب وإلى المنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه فالهوى مستحلب له ما يفيد كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذى فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق وإنما يذم المفرط من ذلك وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار .
ولما كان الغالب من موافق الهوى أنه لا يقف منه على حد المنتفع أطلق ذم الهوى والشهوات لعموم غلبة الضرر لأنه يبعد أن يفهم المقصود من وضع الهوى في النفس وإذا فهم تعذر وجود العمل به وندر مثاله أن شهوة المطعم إنما خلقت لاجتلاب الغذاء فيندر من يتناول بمقتضى مصلحته ولا يتعدى فإن وجد ذلك انغمر ذكر الهوى في حق هذا الشخص وصار مستعملا للمصالح وأما الأغلب من الناس فإنهم يوافقون الهوى فإن حصلت مصلحة حصلت ضمنا وتبعا فلما كان هذا هو الغالب ذكرت في هذا الباب ذم الهوى والشهوات مطلقا ووسمت كتابي ب ذم الهوى لذلك المعنى .
وقد روى عن ابن عباس أنه قال ما ذكر الله D الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه وقال الشعبي إنما سمى هوى لأنه يهوى بصاحبه .
فصل اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في .
عاقبة ويحث