السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وألم من حيث أراد اللذة .
فهو كالحيوان المخدوع بحب الفخ لا هو نال ما خدع به ولا أطاق التخلص مما وقع فيه .
فإن قال قائل فكيف يتخلص من هذا من قد نشب فيه قيل له بالعزم القوي في هجران ما يؤذي والتدرج في ترك مالا يؤمن أذاه وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة يهونهما سبعة أشياء أحدها التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى وإنما هيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل ويدل على هذا أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمشرب والمنكح مالا يناله الإنسان مع عيش هنى خال عن فكر وهم .
ولهذا تساق إلى منحرها وهي منهمكة على شهواتها لفقدان العلم بالعواقب .
والآدمي لا ينال ما تناله لقوة الفكر الشاغل والهم الواغل وضعف الآلة المستعملة .
فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس حظ الآدمي الشريف منه وزيد حظ البهائم وفي توفير حظ الآدمي من العقل وبخس حظه من الهوى ما يكفي في فضل هذا وذم ذلك .
والثاني أن يفكر في عواقب الهوى .
فكم قد أفات من فضيلة وكم قد أوقع في رذيلة وكم من مطعم قد أوقع في مرض وكم من زلة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم .
غير أن صاحب الهوى لا يرى إلا الهوى .
فأقرب الأشياء شبها به من في المدبغة فإنه لا يجد ريحها حتى يخرج فيعلم أين كان .
والثالث أن يتصور العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللذة فإنه يراه يربى على الهوى اضعافا وقد أنشد بعض الحكماء .
وأفضل الناس من لم يرتكب سببا ... حتى يميز ما تجنى عواقبه