فتطفئوا نور الحكمة من قلوبكم ومن بات في خفة من الطعام بات الحور حوله حتى يصبح // حديث نور الحكمة الجوع والتباعد من الله D الشبع الحديث ذكره أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة وكتب عليه إنه مسند وهي علامة ما رواه بإسناده .
الفائدة الثانية رقة القلب وصفاؤه الذي به يتهيأ لإدراك لذة المثابرة والتأثر بالذكر فكم من ذكر يجري على اللسان مع حضور القلب ولكن القلب لا يلتذ به ولا يتأثر حتى كأن بينه وبينه حجابا من قسوة القلب وقد يرق في بعض الأحوال فيعظم تأثره بالذكر وتلذذه بالمناجاة وخلو المعدة هو السبب الأظهر فيه وقال أبو سليمان الداراني أحلى ما تكون إلى العبادة إذا التصق ظهري ببطني وقال الجنيد يجعل أحدهم بينه وبين صدره مخلاة من الطعام ويريد أن يجد حلاوة المناجاة وقال أبو سليمان إذا جاع القلب وعطش صبا ورق وإذا شبع عمى وغلط فإذا تأثر القلب بلذة المناجاة أمر وراء تيسير الفكر واقتناص المعرفة إلى فائدة ثانية .
الفائدة الثالثة الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ومولاه بعين العز والقدرة والقهر فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه مشاهدا للاضطرار بالذوق ولأجل ذلك لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي A قال لا بل أجوع يوما واشبع يوما فإذا جعت صبرت وتضرعت وإذا شبعت شكرت // حديث أجوع يوما وأشبع يوما الحديث تقدم وهو عند الترمذي // أو كما قال فالبطن والفرج باب من أبواب النار وأصله الشبع والذل والانكسار باب من أبواب الجنة وأصله الجوع ومن أغلق بابا من أبواب النار فقد فتح بابا من أبواب الجنة بالضرورة لأنهما متقابلان كالمشرق والمغرب فالقرب من أحدهما بعد من الآخر .
الفائدة الرابعة أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا ويتذكر بلاء الآخرة فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة ومن جوعه جوع أهل النار حتى إنهم ليجوعون فيطعمون الضريع والزقوم ويسقون الغساق والمهل فلا ينبغي أن يغيب عن العبد عذاب الآخرة وآلامها فإنه هو الذي يهيج الخوف فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء نسي عذاب الآخرة ولم يتمثل في نفسه ولم يغلب على قلبه فينبغي أن يكون العبد في مقاساة بلاء أو مشاهدة بلاء وأولى ما يقاسيه من البلاء الجوع فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب الآخرة وهذا أحد الأسباب الذي اقتضى اختصاص البلاء بالأنبياء والأولياء والأمثل فالأمثل ولذلك قيل ليوسف عليه السلام لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجائع فذكر الجائعين والمحتاجين إحدى فوائد الجوع فإن ذلك يدعو إلى الرحمة والإطعام والشفقة على خلق الله D والشبعان في غفلة عن ألم الجائع .
الفائدة الخامسة وهي من أكبر الفوائد كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه وكما أنك لا تملك الدابة الجموح إلا بضعف الجوع فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس كما قيل لبعضهم ما بالك مع كبرك لا تتعهد بدنك