وقد انهد فقال لأنه سريع المرح فاحش الأشر فأخاف أن يجمح بي فيورطني فلأن أحمله على الشدائد أحب إلي من أن يحملني على الفواحش وقال ذو النون ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية وقالت عائشة Bها أول بدعة حدثت بعد رسول الله A الشبع .
إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا وهذه ليست فائدة واحدة بل هي خزائن الفوائد ولذلك قيل الجوع خزانة من خزائن الله تعالى وأقل ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام فإن الجائع لا يتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص به من آفات اللسان كالغيبة والفحش والكذب والنميمة وغيرها فيمنعه الجوع من كل ذلك وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه لا محالة بأعراض الناس ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .
وأما شهوة الفرج فلا تخفي غائلتها والجوع يكفي شرها وإذا شبع الرجل لم يملك فرجه وإن منعته التقوى فلا يملك عينه فالعين تزني كما أن الفرج يزني فإن ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره فيخطر له من الأفكار الرديئة وحديث النفس بأسباب الشهوة ما يتشوش به مناجاته وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة .
وإنما ذكرنا آفة اللسان والفرج مثالا وإلا فجميع معاصي الأعضاء السبعة سببها القوة الحاصلة بالشبع قال حكيم كل مريد صبر على السياسة فيصبر على الخبز البحت سنة لا يخلط به شيئا من الشهوات ويأكل في نصف بطنه رفع الله عنه مؤنة النساء .
الفائدة السادسة دفع النوم ودوام السهر فإن من شبع شرب كثيرا ومن كثر شربه كثر نومه ولأجل ذلك كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام معاشر المريدين لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا وأجمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة الشرب وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب والعمر أنفس الجواهر وهو رأس مال العبد فيه يتجر والنوم موت فتكثيره ينقص العمر ثم فضيلة التهجد لا تخفى وفي النوم فواتها ومهما غلب النوم فإن تهجد لم يجد حلاوة العبادة ثم المتعزب إذا نام على الشبع احتلم ويمنعه ذلك أيضا من التهجد ويحوجه إلى الغسل إما بالماء البارد فيتأذى به أو يحتاج إلى الحمام وربما لا يقدر عليه بالليل فيفوته الوتر إن كان قد أخره إلى التهجد ثم يحتاج إلى مؤنة الحمام وربما تقع عينه على عورة في دخول الحمام فإن فيه أخطارا ذكرناها في كتاب الطهارة وكل ذلك أثر الشبع وقد قال أبو سليمان الداراني الاحتلام عقوبة وإنما قال ذلك لأنه يمنع من عبادات كثيرة لتعذر الغسل في كل حال فالنوم منبع الآفات والشبع مجلبة له والجوع مقطعة له .
الفائدة السابعة تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء لكثرة شربه والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه قال السري رأيت مع علي الجرجاني سويقا يستف منه فقلت ما حملك على هذا قال إني حسبت ما بين المضغ إلى الاستفاف سبعين تسبيحة فما مضغت الخبز مند أربعين سنة فانظر كيف أشفق على وقته ولم يضيعه في المضغ وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا قيمة لها فينبغي أن يستوفي منه خزانة باقية في الآخرة لا آخر لها وذلك بصرفه إلى ذكر الله وطاعته .
ومن جملة ما يتعذر بكثرة الأكل الدوام على الطهارة وملازمة المسجد فإنه يحتاج إلى الخروج لكثرة شرب الماء