إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر وخاطر وروي أن موسى عليه السلام لما قربه الله D نجيا كان قد ترك الأكل أربعين يوما ثلاثين ثم عشرا على ما ورد به القرآن لأنه أمسك بغير تبييت يوما فزيد عشرة لأجل ذلك .
بيان فوائد الجوع وآفات الشبع .
قال رسول الله A جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك ولعلك تقول هذا الفضل العظيم للجوع من أين هو وما سببه وليس فيه إلا إيلام المعدة ومقاساة الأذى فإن كان كذلك فينبغي أن يعظم الأجر في كل ما يتأذى به الإنسان من ضربه لنفسه وقطعة للحمه وتناوله الأشياء المكروهة وما يجري مجراه فاعلم أن هذا يضاهي قول من شرب دواء فانتفع به وظن أن منفعته لكراهة الدواء ومرارته فأخذ يتناول كل ما يكرهه من المذاق وهو غلظ بل نفعه في خاصية في الدواء وليس لكونه مرا وإنما يقف على تلك الخاصية الأطباء فكذلك لا يقف على علة نفع الجوع إلا سماسرة العلماء ومن جوع نفسه مصدقا لما جاء في الشرع من مدح الجوع انتفع به وإن لم يعرف علة المنفعة كما أن من شرب الدواء انتفع به وإن لم يعلم وجه كونه نافعا .
ولكنا نشرح لك ذلك إن أردت أن ترتقي من درجة الإيمان إلى درجة العلم قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات فنقول في الجوع عشر فوائد .
الفائدة الأولى صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معادن الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء الفهم والإدراك وقال أبو سليمان الداراني عليك بالجوع فإنه مذلة للنفس ورقة للقلب وهو يورث العلم السماوي وقال A أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق // حديث أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وطهروها بالجوع تصفو وترق لم أجد له أصلا ويقال مثل الجوع مثل الرعد ومثل القناعة مثل السحاب والحكمة كالمطر وقال النبي A من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه // حديث من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه كذلك لم أجد له أصلا وقال ابن عباس قال النبي A من شبع ونام قسا قلبه ثم قال لكل شيء زكاة وزكاة البدن الجوع // حديث من شبع ونام قسا قلبه ثم قال إن لكل شيء زكاة وإن زكاة الجسد الجوع أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم وإسناده ضعيف // وقال الشبلي ما جعت لله يوما إلا رأيت في قلبي بابا مفتوحا من الحكمة والعبرة ما رأيته قط وليس يخفى أن غاية المقصود من العبادات الفكر الموصل إلى المعرفة والاستبصار بحقائق الحق والشبع يمنع منه والجوع يفتح بابه والمعرفة باب من أبواب الجنة فبالحرى أن تكون ملازمة الجوع قرعا لباب الجنة ولهذا قال لقمان لابنه يا بنى إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة وقال أبو يزيد البسطامي الجوع سحاب فإذا جاع العبد أمطر القلب الحكمة وقال النبي A نور الحكمة الجوع والتباعد من الله D الشبع والقربة إلى الله D حب المساكين والدنو منهم لا تشبعوا