فاشتغلوا بهم يفصلون بينهم فتفرقوا عن مجلسهم وذلك مراد الشيطان منهم .
ومن أبوابه حمل العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه على التفكر في ذات الله تعالى وصفاته وفي أمور لا يبلغها حد عقولهم حتى يشككهم في أصل الدين أو يخيل إليهم في الله تعالى خيالات يتعالى الله عنها يصير أحدهم بها كافرا أو مبتدعا وهو به فرح مسرور مبتهج بما وقع في صدره يظن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله فأشد الناس حماقة أقواهم اعتقادا في عقل نفسه وأثبت الناس عقلا أشدهم اتهاما لنفسه وأكثرهم سؤالا من العلماء قالت عائشة Bها قال رسول الله A إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول الله تبارك وتعالى فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه // حديث عائشة أن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول الله الحديث أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ورجاله ثقات وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة // والنبي A لم يأمر بالبحث في علاج هذا الوسواس فإن هذا وسواس يجده عوام الناس دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء فالعامي لو يزني ويسرق كان خيرا له من أن يتكلم في العلم فإنه من تكلم في الله وفي دينه من غير إتقان العلم وقع في الكفر من حيث لا يدري كمن يركب لجة البحر وهو لا يعرف السباحة ومكايد الشيطان فيما يتعلق بالعقائد والمذاهب لا تحصر وإنما أردنا بما أوردناه المثال .
ومن أبوابه سوء الظن بالمسلمين قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم فمن يحكم بشر على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه وينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات ولأجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم فقال A اتقوا مواضع التهم // حديث اتقوا مواضع التهم لم أجد له أصلا حتى احترز هو A من ذلك روي عن علي بن حسين أن صفية بنت حيى بن أخطب أخبرته أن النبي A كان معتكفا في المسجد قالت فأتيته فتحدثت عنده فلما أمسيت انصرفت فقام يمشي معي فمر به رجلان من الأنصار فسلما ثم انصرفا فناداهما وقال إنها صفة بنت حيى فقالا يا رسول الله ما نظن بك إلا خيرا فقال إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم من الجسد وإني خشيت أن يدخل عليكما // حديث صفية بنت حيى أن النبي A كان معتكفا فأتيته فتحدثت عنده الحديث وفيه أن الشطيان يجري من ابن آدم مجرى الدم متفق عليه فانظر كيف أشفق A على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق الاحتراز من التهمة حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا الخير إعجابا منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم ولذلك قال الشاعر .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا .
فيجب الاحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الأشرار فإن الأشرار لا يظنون بالناس كلهم إلا الشر فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فاعلم أنه خبيث الباطن وأن ذلك خبثه يترشح منه وإنما رأى غيره من حيث هو فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق فهذه بعض مداخل الشيطان إلى القلب ولو أردت استقصاء جميعها لم أقدر عليه وفي هذا القدر ما ينبه على غيره فليس في الآدمي صفة