الطبع من الصفات السبعية فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقا لطبعه غلبت حلاوته على قلبه فاشتغل به بكل همته وهو بذلك فرحان مسرور يظن أنه يسعى في الدين وهو ساع في اتباع الشياطين فترى الواحد منهم يتعصب لأبي بكر الصديق Bه وهو آكل الحرام ومطلق اللسان بالفضول والكذب ومتعاط لأنواع الفساد ولو رآه أبو بكر لكان أول عدو له إذ موالي أبي بكر من أخذ سبيله وسار بسيرته وحفظ ما بين لحييه وكان من سيرته Bه أن يضع حصاة في فمه ليكف لسانه عن الكلام فيما لا يعنيه فأنى لهذا الفضولي أن يدعى ولاءه وحبه ولا يسير بسيرته وترى فضوليا آخر يتعصب لعلي Bه وكان من زهد علي وسيرته أنه لبس في خلافته ثوبا اشتراه بثلاثة دراهم وقطع رأس الكمين إلى الرسغ ونرى الفاسق لابسا الثياب الحرير ومتجملا بأموال اكتسبها من حرام وهو يتعاطى حب علي Bه ويدعيه وهو أول خصمائه يوم القيامة وليت شعري من أخذ ولدا عزيزا لإنسان هو قرة عينه وحياة قلبه فأخذ يضربه و يمزقه وينتف شعره ويقطعه بالمقراض وهو مع ذلك يدعي حب أبيه وولاءه فكيف يكون حاله عنده ومعلوم أن الدين والشرع كانا أحب إلا أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر الصحابة Bهم من الأهل والولد بل من أنفسهم والمقتحمون لمعاصي الشرع هم الذين يمزقون الشرع ويقطعونه بمقاريض الشهوات ويتوددون به إلى عدو الله إبليس وعدو أوليائه فترى كيف يكون حالهم يوم القيامة عند الصحابة وعند أولياء الله تعالى لا بل لو كشف الغطاء وعرف هؤلاء ما تحبه الصحابة في أمة رسول الله A لاستحيوا أن يجروا على اللسان ذكرهم مع قبح أفعالهم ثم إن الشيطان يخيل إليهم أن من مات محبا لأبي بكر وعمر فالنار لا تحوم حوله ويخيل إلى الآخر أنه إذا مات محبا لعلي لم يكن عليه خوف وهذا رسول الله A يقول لفاطمة Bها وهي بضعة منه // حديث فاطمة بضعة مني متفق عليه من حديث المسور بن مخرمة // إعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا // حديث إني لا أغني عنك من الله شيئا قاله لفاطمة متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذا مثال أوردناه من جملة الأهواء وهكذا حكم المتعصبين للشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم من الأئمة فكل من ادعى مذهب إمام وهو ليس يسير بسيرته فذلك الإمام هو خصمه يوم القيامة إذ يقول له كان مذهبي العمل دون الحديث باللسان وكان الحديث باللسان لأجل العمل لا لأجل الهذيان فما بالك خالفتني في العمل والسيرة التي هي مذهبي ومسلكي الذي سلكته وذهبت فيه إلى الله تعالى ثم ادعيت مذهبي كاذبا وهذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان قد أهلك به أكثر العالم وقد سلمت المدارس لأقوام قل من الله خوفهم وضعفت في الدين بصيرتهم وقويت في الدنيا رغبتهم واشتد على الاستتباع حرصهم ولم يتمكنوا من الاستتباع وإقامة الجاه إلا بالتعصب فحبسوا ذلك في صدورهم ولم ينبهوهم على مكايد الشيطان فيه بل نابوا عن الشيطان في تنفيذ مكيدته فاستمر الناس عليه ونسوا أمهات دينهم فقد هلكوا وأهلكوا فالله تعالى يتوب علينا وعليهم وقال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد A المعاصي فقصموا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوبا لا يستغفرون الله تعالى منها وهي الأهواء وقد صدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر إلى المعاصي فكيف يستغفرون منها .
ومن عظيم حيل الشيطان أن يشغل الإنسان عن نفسه بالاختلافات الواقعة بين الناس في المذاهب والخصومات قال عبد الله بن مسعود جلس قوم يذكرون الله تعالى فأتاهم الشيطان ليقيمهم عن مجلسهم ويفرق بينهم فلم يستطع فأتى رفقة أخرى يتحدثون بحديث الدنيا فأفسد بينهم فقاموا يقتتلون وليس إياهم يريد فقام الذين يذكرون الله تعالى