ما يسقط من حشمته بسبب الهجوم عليه وذلك مما لا يمكن ضبطه .
وأما التلميذ والاستاذ فالأمر فيما بينهما أخف لأن المحترم هو الأستاذ المفيد للعلم من حيث الدين ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه فله أن يعامله بموجب علمه الذي تعلمه منه .
وروى انه سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما لم يغضب فإن غضب سكت عنه .
الشرط الخامس كونه قادرا ولا يخفى أن العاجز ليس عليه حسبة إلا بقلبه إذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها .
وقال ابن مسعود Bه جاهدوا الكفار بأيديكم فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا .
واعلم انه لا يقف سقوط الوجوب على العجز الحسي بل يلتحق به ما يخاف عليه مكروها يناله فذلك في معنى العجز وكذلك إذا لم يخف مكروها ولكن علم أن إنكاره لا ينفع فليلتفت إلى معنيين أحدهما عدم إفادة الإنكار امتناعا والآخر خوف مكروه .
ويحصل من اعتبار المعنيين أربعة أحوال .
أحدهما أن يجتمع المعنيان بأن يعلم أنه لا ينفع كلامه ويضرب إن تكلم فلا تجب عليه الحسبة بل ربما تحرم في بعض المواضع .
نعم يلزمه أن لا يحضر مواضع المنكر ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب ولا يلزمه مفارقة تلك البلدة والهجرة إلا إذا كان يرهق إلى الفساد أو يحمل على مساعدة السلاطين في الظلم والمنكرات فيلزمه الهجرة إن قدر عليها فإن الاكراه لا يكون عذرا في حق من يقدر على الهرب من الإكراه .
الحالة الثانية أن ينتفي المعنيان جميعا بأن يعلم أن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يقدر له على مكروه فيجب عليه الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة .
الحالة الثالثة أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين .
الحالة الرابعة عكس هذه وهو أن يعلم انه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله كما يقدر على أن يرمي زجاجة الفاسق بحجر فيكسرها ويريق الخمر أو يضرب العود الذي في يده ضربة مختطفة فيكسره في الحال ويتعطل عليه هذا المنكر ولكن يعلم انه يرجع إليه فيضرب رأسه فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب .
ويدل عليه الخبر الذي اوردناه في فضل كلمة حق عند إمام جائر ولا شك في أن ذلك مظنة الخوف .
ويدل عليه أيضا ما روى عن أبي سليمان الداراني C تعالى انه قال سمعت من بعض الخلفاء كلاما فأردت أن انكر عليه وعلمت أني أقتل ولم يمنعني القتل ولكن كان في ملأ من الناس فخشيت أن يعتريني التزين للخلق فأقتل من غير إخلاص في الفعل .
فإن قيل فما معنى قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قلنا لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل وهذا ربما يظن أنه مخالف لموجب الآية وليس كذلك فقد قال ابن عباس Bهما ليس التهلكة ذلك بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى أي من لم يفعل ذلك فقد أهلك نفسه .
وقال البراء بن عازب التهلكة هو أن يذنب الذنب ثم يقول لا يتاب علي .
وقال أبو عبيدة هو أن يذنب ثم لا يعمل بعده خيرا حتى يهلك وإذا جاز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز أيضا له ذلك في الحسبة ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجزفذلك حرام وداخل تحت عموم آية التهلكة .
وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل أو علم انه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله فتنكسر بذلك شوكتهم فكذلك يجوز للمحتسب بل يستحب له أن يعرض نفسه للضرب وللقتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر أو في كسر جاه الفاسق أو في