تقوية قلوب أهل الدين وأما إن رأى فاسقا متغلبا وعنده سيف وبيده قدح وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضرب رقبته فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجها وهو عين الهلاك .
فإن المطلوب أن يؤثر في الدين أثرا ويفديه بنفسه فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له بل ينبغي أن يكون حراما .
وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر أو ظهر لفعله فائدة وذلك بشرط أن يقتصر المكروه عليه .
فإن علم أنه يضرب معه غيره من أصحابه أو أقاربه أو رفقائه فلا تجوز له الحسبة بل تحرم لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بأن يفضى ذلك إلى منكر آخر وليس ذلك من القدرة في شيء .
بل لو علم انه لو احتسب لبطل ذلك المنكر ولكن كان ذلك سببا لمنكر آخر يتعاطاه غير المحتسب عليه فلا يحل له الافكار الأظهر لان المقصود عدم مناكير الشرع مطلقا لأمين زيد أو عمرو وذلك بأن يكون مثلا مع الإنسان شراب حلال نجس بسبب وقوع نجاسة فيه وعلم أنه لو أراقه لشرب صاحبه الخمر أو تشرب اولاده الخمر لإعوازهم الشراب الحلال فلا معنى لإراقة ذلك .
ويحتمل أن يقال إنه يريق ذلك فيكون هو مبطلا لمنكر .
وأما شرب الخمر فهو الملوم فيه والمحتسب غير قادر على منعه من ذلك المنكر وقد ذهب إلى هذا ذاهبون .
وليس ببعيد فإن هذه مسائل فقهية لا يمكن فيها الحكم إلا بظن ولا يبعد أن يفرق بين درجات المنكر المغير والمنكر الذي تفضى إليه الحسبة والتغيير فإنه إذا كان يذبح شاة لغيره ليأكلها وعلم أنه لو منعه من ذلك لذبح إنسانا وأكله فلا معنى لهذه الحسبة .
نعم لو كان منعه عن ذبح إنسان أو قطع طرقه يحمله على أخذ ماله فذلك له وجه .
فهذه دقائق واقعة في محل الاجتهاد وعلى المحتسب اتباع اجتهاده في ذلك كله ولهذه الدقائق نقول العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليات المعلومة كشرب الخمر والزنا وترك الصلاة فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى اجتهاد فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه وعن هذا يتأكد ظن من لا يثبت ولاية الحسبة إلا بتعيين الوالي إذ ربما ينتدب لها من ليس أهلا لها لقصور معرفته أو قصور ديانته فيؤدي ذلك إلى وجوه من الخلل وسيأتي كشف الغطاء عن ذلك إن شاء الله .
فإن قيل وحيث أطلقتم العلم بأن يصيبه مكروه أو أنه لا تفيد حسبته فلو كان بدل العلم ظن فما حكمه قلنا الظن الغالب في هذه الابواب في معنى العلم وإنما يظهر الفرق عند تعارض الظن والعلم إذ يرجح العلم اليقيني على الظن ويفرق بين العلم والظن في مواضع آخر وهو أنه يسقط وجوب الحسبة عنه حيث علم قطعا أنه لا يفيد فإن كان غالب ظنه أنه لا يفيد ولكن يحتمل أن يفيد وهو مع ذلك لا يتوقع مكروها فقد اختلفوا في وجوبه والأظهر وجوبه إذ لا ضرر فيه وحدواه متوقعة وعموم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تقتضي الوجوب بكل حال ونحن إنما نستثني عنه بطريق التخصيص ما إذا علم أنه لا فائدة فيه إما بالإجماع أو بقياس ظاهر وهو أن الأمر ليس يراد لعينه بل للمأمور فإذا علم اليأس عنه فلا فائدة فيه فأما إذا لم يكن يأس فينبغي أن لا يسقط الوجوب .
فإن قيل فالمكروه الذي تتوقع إصابته إن لم يكن متيقنا ولا معلوما بغالب الظن ولكن كان مشكوكا فيه أو كان غالب ظنه أنه لا يصاب بمكروه ولكن احتمل أن يصاب بمكروه فهذا الاحتمال هل يسقط الوجوب حتى لا يجب إلا عند اليقين بأنه لا يصيبه مكروه أم يجب في كل حال إلا إذا غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه قلنا إن غلب على الظن أنه يصاب لم يجب وإن غلب أنه لا يصاب وجب ومجرد التجويز لا يسقط الوجوب فإن ذلك