والرعية على الوالي مطلقا كما يثبت للوالد على الولد والسيد على العبد والزوج على الزوجة والأستاذ على التلميذ والسلطان على الرعية أو بينهما فرق فاعلم أن الذي نراه أنه يثبت أصل الولاية ولكن بينهما فرق في التفصيل .
ولنفرض ذلك في الولد مع الوالد فنقول قد رتبنا للحسبة خمس مراتب وللولد الحسبة بالرتبتين الاوليين وهما التعريف ثم الوعظ والنصح باللطف .
وليس له الحسبة بالسب والتعنيف والتهديد ولا بمباشرة الضرب وهما الرتبتان الأخيرتان وهل له الحسبة بالرتبة الثالثة حيث تؤدي إلى أذى الوالد وسخطه هذا فيه نظر وهو بأن يكسر مثلا عوده ويريق خمره ويحل الخيوط عن ثيابه المنسوجة من الحرير ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان صاحبه معينا ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة في خشب بيته ويكسر أواني الذهب والفضة فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أن فعل الولد حق وسخط الاب منشؤه حبه للباطل وللحرام والأظهر في القياس انه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر والى مقدار الأذى والسخط .
فإن كان المنكر فاحشا وسخطه عليه قريبا كإراقة خمر من لا يشتد غضبه فذلك ظاهر وإن كان المنكر قريبا والسخط شديدا كما لو كانت له آنية من بلور أو زجاج على صور حيوان وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب وليس تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره فهذا كله مجال النظر .
فإن قيل ومن أين قلتم ليس له الحسبة بالتعنيف والضرب والارهاق إلى ترك الباطل والأمر بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عاما من غير تخصيص وأما النهي عن التأفيف والإيذاء فقد ورد وهو خاص فيما لا يتعلق بارتكاب المنكرات فنقول .
قد ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الاستثناء من العموم إذ لا خلاف في أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه في الزنا حدا ولا له أن يباشر إقامة الحد عليه بل لا يباشر قتل أبيه الكافر بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته .
وقد ورد في ذلك أخبار وثبت بعضها بالإجماع // الأخبار الواردة في أن الجلاد ليس له أن يجلد أباه في الزنا ولا أن يباشر إقامة الحد عليه ولا يباشر قتل أبيه الكافر وأنه لو قطع يده لم يلزم القصاص ثم قال وثبت بعضها بالإجماع قلت لم أجد فيه إلا حديث لا يقاد الوالد بالولد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي فيه اضطراب // .
فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقعة بل أولى .
وهذا الترتيب أيضا ينبغي أن يجري في العبد والزوجة مع السيد والزوج فهما قريبان من الولد في لزوم الحق وإن كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح .
ولكن في الخبر أنه لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها // حديث لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تقدم في النكاح // .
وهذا يدل على تأكيد الحق أيضا .
وأما الرعية مع السلطان فالأمر فيها أشد من الولد فليس لها معه إلا التعريف والنصح فأما الرتبة الثالثة ففيها نظر من حيث إن الهجوم على أخذ الأموال من خزانته وردها إلى الملاك وعلى تحليل الخيوط من ثيابه الحرير وكسر آنية الخمور في بيته يكاد يفضي إلى خرق هيبته واسقاط حشمته وذلك محظور ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر // حديث النهي عن الإنكار على السلطان جهرة بحيث يؤدي إلى خرق هيبته أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عياض بن غنم ألاشعري من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذه بيده فليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له قال صحيح الإسناد وللترمذي وحسنه من حديث أبي بكرة من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله في الأرض // .
فقد تعارض فيه أيضا محذوران والأمر فيه موكول إلى اجتهاد منشؤه النظر في تفاحش المنكر ومقدار