الأصل الخامس أن الخادم يقدم الطعام إليهم فلا يمكن أن يجعل ضيافة وهدية بغير عوض فإنه لا يرضى بذلك وإنما يقدم اعتمادا على عوضه من الوقف فهو معاوضة ولكن ليس ببيع ولا إقراض لأنه لو انتهض لمطالبتهم بالثمن استبعد ذلك وقرينة الحال لا تدل عليه فأشبه أصل ينزل عليه هذه الحالة الهبة بشرط الثواب أعني هدية لا لفظ فيها من شخص تقتضي قرينة حاله أنه يطمع في ثواب وذلك صحيح والثواب لازم وههنا ما طمع الخادم في أن يأخذ ثوابا فيما قدمه إلا حقهم من الوقف ليقضي به دينه من الخباز والقصاب والبقال فهذا ليس فيه شبهة إذ لا يشترط لفظ في الهدية ولا في تقديم الطعام وإن كان مع انتظار الثواب ولا مبالاة بقول من لا يصحح هدية في انتظار ثواب .
الأصل السادس أن الثواب الذي يلزم فيه خلاف فقيل إنه أقل متمول وقيل قدر القيمة وقيل ما يرضى به الواهب حتى له أن لا يرضى بأضعاف القيمة والصحيح أنه يتبع رضاه فإذا لم يرض يرد عليه وههنا الخادم قد رضي بما يأخذ من حق السكان على الوقف فإن كان لهم من الحق بقدر ما أكلوه فقد تم الأمر وإن كان ناقصا ورضي به الخادم صح أيضا وإن علم أن الخادم لا يرضى لولا أن في يده الوقف الآخر الذي يأخذه بقوة هؤلاء السكان فكأنه رضي في الثواب بمقدار بعضه حلال وبعضه حرام والحرام لم يدخل في أيدي السكان فهذا كالخلل المتطرق إلى الثمن وقد ذكرنا حكمه من قبل وأنه متى يقتضي التحريم ومتى يقتضي الشبهة وهذا لا يقتضي تحريما على ما فصلناه فلا تنقلب الهدية حراما يتوصل المهدي بسبب الهدية إلى حرام .
الأصل السابع أنه يقضي دين الخباز والقصاب والبقال من ريع الواقفين فإن وفى ما أخذ من حقهم بقيمة ما أطعمهم فقد صح الأمر وإن قصر عنه فرضي القصاب والخباز بأي ثمن كان حراما أو حلالا فهذا خلل تطرق إلى ثمن الطعام أيضا فليلتفت إلى ما قدمنا من الشراء في الذمة ثم قضاء الثمن من الحرام هذا إذا علم أنه قضاه من حرام فإن احتمل ذلك واحتمل غيره فالشبهة أبعدوقد خرج من هذا أن أكل هذا ليس بحرام ولكنه أكل شبهة وهو بعيد من الورع لأن هذه الأصول إذا كثرت وتطرق إلى كل واحد احتمال صار احتمال الحرام بكثرته أقوى في النفس كما أن الخبر إذا طال إسناده صار احتمال الكذب والغلط فيه أقوى مما إذا قرب إسناده فهذا حكم هذه الواقعة وهي من الفتاوى وإنما أوردناها ليعرف كيفية تخريج الوقائع الملتفة الملتبسة وأنها كيف ترد إلى الأصول فإن ذلك مما يعجز عنه أكثر المفتين .
الباب الرابع في كيفة خروج التائب عن المظالم المالية .
اعلم أن من تاب وفي يده مختلط فعليه وظيفة في تمييز الحرام وإخراجه ووظيفة أخرى في مصرف المخرج فلينظر فيهما النظر الأول في كيفية التمييز والإخراج أعلم أن كل من تاب وفي يده ما هو حرام معلوم العين من غصب أو وديعة أو غيره فأمره سهل فعليه تمييز الحرام وإن كان ملتبسا مختلطا فلا يخلو إما أن يكون في مال هو من ذوات الأمثال كالحبوب والنقود والأدهان وإما أن يكون في أعيان متمايزة كالعبيد والدور والثياب .
فإن كان في المتماثلات أو كان شائعا في كله كمن اكتسب المال بتجارة يعلم أنه قد كذب في بعضها في المرابحة وصدق في بعضها أو من غصب دهنا وخلطه بدهن نفسه أو فعل ذلك في الحبوب أوالدراهم والدنانير فلا يخلو ذلك إما أن يكون معلوم القدر أو مجهولا فإن كان معلوم القدر