في هذه الصورة قولان والذي نختاره الحكم بالتحريم لأن السبب قد تعارض إذ الكلب المعلم كالآلة والوكيل يمسك على صاحبه فيحل ولو استرسل المعلم بنفسه فأخذ لم يحل لأنه يتصور منه أن يصطاد لنفسه ومهما انبعث بإشارته ثم أكل دل ابتداء انبعاثه على انه نازل منزلة آلته وأنه يسعى في وكالته ونيابته ودل أكله آخرا على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فقد تعارض السبب الدال فيتعارض الاحتمال والأصل التحريم فيستصحب ولا يزال بالشك وهو كما لو وكل رجلا بأن يشتري له جارية فاشترى له جارية ومات قبل أن يبين انه اشتراها لنفسه أو لموكله يحل للموكل وطؤها لأن للوكيل قدرة على الشراء لنفسه ولموكله جميعا ولا دليل مرجح والأصل التحريم فهذا يلتحق بالقسم الأول لا بالقسم الثالث .
القسم الرابع أن يكون الحل معلوما ولكن يغلب على الظن طريان محرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعا فيرفع الاستصحاب ويقضى بالتحريم إذ بان لنا أن الاستصحاب ضعيف ولا يبقي له حكم مع غالب الظن ومثاله أن يؤدي اجتهاده إلى نجاسة أحد الإناءين بالاعتماد على علامة معينة توجب غلبة الظن فتوجب تحريم شربه كما أوجبت منع الوضوء به وكذا إذا قال إن قتل زيد عمرا أو قتل زيد صيدا منفردا بقتله فامرأتي طالق فجرحه وغاب عنه فوجد ميتا حرمت زوجته لأن الظاهر انه منفرد بقتله كما سبق وقد نص الشافعي C أن من وجد في الغدران ماء متغيرا احتمل أن يكون تغيره بطول المكث أو بالنجاسة فيستعمله ولو رأى ظبية بالت فيه ثم وجده متغيرا واحتمل أن يكون بالبول أو بطول المكث لم يجز استعماله إذ صار البول المشاهد دلالة مغلبة لاحتمال النجاسة وهو مثال ما ذكرناه وهذا في غلبة ظن استند إلى علامة متعلقة بعين الشيء فأما غلبة الظن لا من جهة علامة تتعلق بعين الشيء فقد اختلف قول الشافعي Bه في أن اصل الحل هل يزال به إذا اختلف قوله في التوضؤ من أواني المشركين ومدمن الخمر والصلاة في المقابر المنبوشة والصلاة مع طين الشوارع أعنى المقدار الزائد على ما يتعذر الاحتراز عنه وعبر الأصحاب عنه بأنه إذا تعارض الأصل والغالب فأيهما يعتبر وهذا جار في حل الشرب من أواني مدمن الخمر والمشركين لأن النجس لا يحل شربه فإذن مأخذ النجاسة والحل واحد فالتردد في أحدهما يوجب التردد في الآخر والذي أختاره أن الأصل هو المعتبر وأن العلامة إذا لم تتعلق بعين المتناول لم توجب رفع الأصل وسيأتي بيان ذلك وبرهانه في المثار الثاني للشبهة وهي شبهة الخلط فقد أتضح من هذا حكم حلال شك في طريان محرم عليه أو ظن وحكم حرام شك في طريان محلل عليه أو ظن وبان الفرق بين ظن يستند إلى علامة في عين الشيء وبين ما لا يستند إليه وكل ما حكمنا في هذه الأقسام الأربعة بحله فهو حلال في الدرجة الأولى والاحتياط تركه فالمقدم عليه لا يكون من زمرة المتقين والصالحين بل من زمرة العدول الذين لا يقضى في فتوى الشرع بفسقهم وعصيانهم واستحقاقهم العقوبة إلا ما ألحقناه برتبة الوسواس فإن الاحتراز عنه ليس من الورع أصلا المثار الثاني للشبهة شك منشؤه الاختلاط .
وذلك بأن يختلط الحرام بالحلال ويشتبه الأمر ولا يتميز والخلط لا يخلو إما أن يقع بعدد لا يحصر من الجانبين أو من أحدهما أو بعدد محصور فإن اختلط بمحصور فلا يخلو إما أن يكون اختلاط امتزاج بحيث لا يتميز بالإشارة كاختلاط المائعات .
أو يكون اختلاط استبهام مع التميز للأعيان كاختلاط الأعبد والدور والأفراس والذي يختلط بالاستيهام فلا يخلو إما أن يكون مما يقصد عينه كالعروض أو لا يقصد كالنقود