القسم الثالث أن يكون الأصل التحريم ولكن طرأ ما أوجب تحليله بظن غالب فهو مشكوك فيه والغالب حله فهذا ينظر فيه فإن استند غلبة الظن إلى سبب معتبر شرعا فالذي نختاره فيه أنه يحل وأجتنابه من الورع .
مثاله أن يرمي إلى صيد فيغيب ثم يدركه ميتا وليس عليه اثر سوى سهمه ولكن يحتمل انه مات بسقطه أو بسبب آخر فإن ظهر عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى التحق بالقسم الأول .
وقد اختلف قول الشافعي C في هذا القسم والمختار انه حلال لان الجرح سبب ظاهر وقد تحقق و الأصل انه لم يطرأ غيره عليه فطريانه مشكوك فيه فلا يدع اليقين بالشك .
فإن قيل فقد قال ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت .
وروت عائشة Bها أن رجلا أتى النبي A بأرنب فقال رميتى فعرفت فيها سمهي فقال أصميت أو أنميت فقال بل أنميت قال إن الليل خلق من خلق الله لا يقدر قدره إلا الذي خلقه فلعله أعان على قتله شيء // حديث عائشة أن رجلا أتى النبي بأرنب فقال رميتى عرفت فيها سهمى فقال أصميت أو أنميت قال بل إنميت قال إن الليل خلق من خلق الله لا يقدر قدره إلا الذي خلقه لعله أعان على قتله شيء ليس هذا من حديث عائشة وإنما رواه موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين قال جاء رجل إلى النبي A بصيد فقال إني رميته من الليل فأعياني ووجدت سهمى فيه من الغد وعرفت سهمى فقال الليل خلق من خلق الله عظيم لعله أعانك عليها شيء رواه أبو داود في المراسيل والبيهقي وقال أبو رزين اسمه مسعود والحديث مرسل قاله البخاري // .
وكذلك قال A لعدى بن حاتم في كلبه المعلم وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه // حديث قال لعدي في كلبه المعلم وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه متفق عليه من حديثه // .
والغالب أن الكلب المعلم لا يسئ خلقه ولا يمسك إلا على صاحبه ومع ذلك نهى عنه وهذا التحقيق وهو أن الحل إنما يتحقق إذا تحقق تمام السبب وتمام السبب بأن يفضى إلى الموت سليما من طريان غيره عليه وقد شك فيه فهو شك في تمام السبب حتى اشتبه أن موته على الحل أو على الحرمة فلا يكون هذا في معنى ما تحقق موته على الحل في ساعته ثم شك فيما يطرأ عليه فالجواب أن نهى ابن عباس ونهى رسول الله A محمول على الورع والتنزيه بدليل ما روى في بعض الروايات أنه قال كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك // حديث كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثر سهم غيرك متفق عليه من حديث عدي بن حاتم // .
وهذا تنبيه على المعنى الذي ذكرناه وهو انه إن وجد أثرا آخر فقد تعارض السببان بتعارض الظن وإن لم يجد سوى جرحه حصل غلبة الظن فيحكم به على الاستصحاب كما يحكم على الاستصحاب بخبر الواحد والقياس المظنون والعمومات المظنونة وغيرها .
وأما قول القائل إنه لم يتحقق موته على الحل في ساعة فيكون شكا في السبب فليس كذلك بل السبب قد تحقق إذ الجرح سبب الموت فطربان الغير شك فيه ويدل على صحة هذا الإجماع على أن من جرح وغاب فوجد ميتا فيجب القصاص على جارحه بل إن لم يغب يحتمل أن يكون موته بيهجان خلط في باطنه كما يموت الإنسان فجأة فينبغي أن لا يجب القصاص إلا بحز الرقبة والجرح المذفف لأن العلل القاتلة في الباطن لا تؤمن ولأجلها يموت الصحيح فجأة ولا قائل بذلك مع أن القصاص مبناه على الشبهة وكذلك جنين المذكاة حلال ولعله مات قبل ذبح الأصل لا بسبب ذبحه أو لم ينفخ فيه الروح وغرة الجنين تجب ولعل الروح لم ينفخ فيه أو كان قد مات قبل الجناية بسبب آخر ولكن يبنى على الأسباب الظاهرة فإن الاحتمال الآخر إذا لم يستند إلى دلالة تدل عليه التحق بالوهم والوسواس كما ذكرناه فكذلك هذا .
وأما قوله A أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه فللشافعي C