المرائى هو الذي يقصد ذلك ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمابين يدى الله تعالى وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن إعراباهو فيه كاذب وهو مطالب بالصدق في الأعمال وكذلك قد يمشى الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفا بذلك الوقار فهذا غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتا إلى الخلق ولا مرائيا إياهم ولا ينجو من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية بأن يكون باطنه مثل ظاهرة أو خيرا من ظاهره .
ومن خيفة ذلك اختار بعضهم تشويش الظاهر ولبس ثياب الأشرار كيلا يظن به الخير بسبب ظاهره فيكون كاذبا في دلالة الظاهر على الباطن .
إذن مخالفة الظاهر للباطن إن كانت عن قصد سميت رياء ويفوت بها الإخلاص وإن كانت عن غير قصد فيفوت بها الصدق .
ولذلك قال رسول الله Aاللهم أجعل سريرتي خيرا من علانيتي وأجعل علانيتي صالحة // حديث اللهم أجعل سريرتي خيرامن علانيتي الحديث تقدم ولم أجده // وقال يزيد بن الحارث إذا استوت سريره العبد وعلانيته فذلك النصف وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور وأنشدوا .
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى ... فقد عز في الدارين واستوجب الثنا .
فإن خالف الإعلان سرا فما له ... على سعيه فضل سوى الكد والعنا .
فما خالص الدينار في السوق نافق ... ومغشوشه المردود لا يقتضىالمنا .
وقال عطية بن عبد الغافر إذا وافقت سريره المؤمن علانيته باهى الله به الملائكة يقول هذا عبدي حقا .
وقال معاوية بن قرة من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار .
وقال عبد الواحد بن زيد كان الحسن إذا أمر بشيء كان من أعمل الناس به وإذا نهى عن شيء كان من أترك الناس له .
ولم أر أحدا قط أشبه سريره بعلانية منه .
وكان أبو عبد الرحمن الزاهد يقول إلهى عاملت الناس فيما بيني وبينهم بالأمانة وعاملتك فيما بيني وبينك بالخيانة ويبكى .
وقال أبو يعقوب النهر جوري الصدق موافقة الحق في السر والعلانية .
فإذن مساواة السريرة للعلانية أحد أنواع الصدق .
الصدق السادس وهو أعلى الدرجات وأعزها الصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور .
فإن هذه الأمور لها مباد ينطلق الاسم بظهورها ثم لها غايات وحقائق والصادق المحقق من نال حقيقتها وإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمى صاحبه صادقا فيه كما يقال فلان صدق القتال .
ويقال هذا هو الخوف الصادق وهذه هي الشهوة الصادقة .
وقال الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا إلى قوله أولئك هم الصادقون وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر إلى قوله أولئك الذين صدقوا وسئل أبو ذر عن الإيمان فقرأ هذه الآية فقيل له سألناك عن الإيمان فقال سألت رسول الله A عن الإيمان فقرأ هذه الآية // حديث أبى ذر سألته عن الإيمان فقرأ قوله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر إلى قوله أولئك الذين صدقوا رواه محمد بن نصر المروزى في تعظيم قدر الصلاة بأسانيد منقطعة لم أجد له اسنادا .
ولنضرب للخوف مثلا فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله خوفا ينطلق عليه الاسم