ولكنه خوف غير صادق أى غير بالغ درجة الحقيقة أما تراه إذا خاف سلطانا أو قاطع طريق فى سفره كيف يصفر لونه وترتعد فرائصه ويتنغص عليه عيشه ويتعذر عليه أكله ونومه وينقسم عليه فكره حتى لا ينتفع به أهله وولده وقد ينزعج عن الوطن فيستبدل بالأنس الوحشة وبالراحة التعب والمشقة والتعرض للأخطار كل ذلك خوفا من درك المحذور .
ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شىء من ذلك عند جريان معصية عليه ولذلك قال Aلم أر مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها // حديث لم أر مثل النار نام هاربها الحديث // تقدم فالتحقيق في هذه الأمور عزيز جدا ولا غاية لهذه المقامات حتى ينال تمامها ولكن لكل عبد منه حظ بحسب حاله إما ضعيف وإما قوى فإذا قوى سمى صادقا فيه .
فمعرفة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه لا نهاية لها ولذلك قال النبي A لجبريل عليه السلام أحب أن أراك في صورتك التي هى صورتك فقال لا تطيق ذلك قال بلى بل أرني فواعده البقيع في ليلة مقمرة فأتاه فنظر النبي A فإذا هو به قد سد الأفق يعنى جوانب السماء فوقع النبى A مغشيا عليه فأفاق وقد عاد جبريل لصورته الأولى فقال النبى Aما ظننت أن أحدا من خلق الله هكذا قال وكيف لو رأيت إسرافيل إن العرش لعلى كاهله وإن رجليه قد مرقتا تحت تخوم الأرض السفلى وانه ليتصاغر من عظمة الله حتى يصير كالوصع // حديث قال لجبريل أحب أن أراك في صورتك التي هي صورتك فقال لا تطيق ذلك الحديث تقدم في كتاب الرجاء والخوف أخصر من هذا والذى ثبت في الصحيح أنه رأى جبريل في صورته مرتين // يعنى كالعصفور الصغير فانظر ما الذى يغشاه من العظمة والهيبة حتى يرجع إلى ذلك الحد وسائر الملائكة ليسوا كذلك لتفاوتهم في المعرفة فهذا هو الصدق في التعظيم .
وقال جابر قال رسول الله Aمررت ليلة أسرى بى وجبريل بالملأ الأعلى كالحلس البالى من خشية الله تعالى // حديث مررت ليلة أسرى بي وجبريل بالملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله الحديث أخرجه محمد بن نصر في كتاب تعظيم قدر الصلاة والبيهقى في دلائل النبوة من حديث أنس وفيه الحارث بن عبيد الإيادى ضعفه الجمهور وقال البيهقى ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد وهذا مرسل // يعنى الكساء الذى يلقى على ظهر البعير وكذلك الصحابة كانوا خائفين وما كانوا بلغوا خوف رسول الله A ولذلك قال ابن عمر رضى الله عنهما لن تبلغ حقيقة الإيمان حتى تنظر الناس كلهم حمقى في دين الله .
وقال مطرف ما من الناس أحد إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه إلا أن بعض الحمق أهون من بعض وقال النبى Aلا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير // حديث لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى ينظر إلىالناس كالأباعر في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير لم أجد له أصلا في حديث مرفوع // فالصادق إذن في جميع هذه المقامات عزيز .
ثم درجات الصدق لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض فان كان صادقا في الجميع فهو الصديق حقا .
قال سعد بن معاذ ثلاثة أنا فيهن قوى وفيما سواهن ضعيف ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسى حتى أفرغ منها ولا شيعت جنازة فحدثت نفسى بغير ما هى قائلة وما هو مقول لها حتى يفرغ من دفنها وما سمعت رسول الله A يقول قولا إلا علمت أنه حق فقال ابن المسيب ما ظننت أن هذه الخصال تجتمع إلا في النبى .
A فهذا صدق في هذه الأمور وكم قوم من جلة الصحابة قد أدوا الصلاة واتبعوا الجنائز ولم يبلغوا هذا المبلغ فهذه هي درجات الصدق ومعانيه .
والكلمات المأثورة عن المشايخ في حقيقة الصدق في الأغلب لا تتعرض إلا لآحاد هذه المعاني نعم قد قال أبو بكر الوراق الصدق ثلاثة صدق التوحيد وصدق الطاعة وصدق المعرفة .
فصدق التوحيد لعامة المؤمنين قال الله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون وصدق الطاعة لأهل العلم