وهو يدعى أنه يفرح بما يسر له من نصرة الدين ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظا وانصرف الناس عنه وأقبلوا عليه ساءه ذلك وغمه ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى إذ كفاه الله تعالى هذا المهم بغيره .
ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه ويقول إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس عنك إلى غيرك إذ لو اتعظوا بقولك لكنت أنت المثاب واغتمامك لفوات الثواب محمود ولا يدرى المسكين أن انقياده للحق وتسليمه الأمر أفضل وأجزل ثوابا وأعوذ عليه في الآخرة من انفراده .
وليت شعرى لو اغتم عمر رضى الله عنه بتصدى أبى بكر رضى الله تعالى عنه للإمامة أكان غمه محمودا أو مذموما ولا يستريب ذو دين أن لو كان ذلك لكان مذموما لأن انقياده للحق وتسليمه الأمر إلى من هو أصلح منه أعود عليه في الدين من تكفله بمصالح الخلق مع ما فيه من الثواب الجزيل بل فرح عمر رضى الله تعالى عنه باستقلال من هو أولى منه بالأمر .
فما بال العلماء لا يفرحون بمثل ذلك وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور الشيطان فيحدث نفسه بأنه لو ظهر من هو أولى منه بالأمر لفرح به وإخباره بذلك عن نفسه قبل التجربة والامتحان محض الجهل والغرور فإن النفس سهلة القياد في الوعد بأمثال ذلك قبل نزول الأمر ثم إذا دهاه الأمر تغير ورجع ولم يف بالوعد .
وذلك لا يعرفه إلا من عرف مكايد الشيطان والنفس وطال اشتغاله بامتحانها فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق يغرق فيه الجميع إلا الشاذ النادر والفرد الفذوهو المستثنى في قوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين فليكن العبد شديد التفقد والمراقبة لهذه الدقائق وإلا التحق بأتباع الشياطين وهو لا يشعر .
بيان أقاويل الشيوخ في الإخلاص .
قال السوسى الإخلاص فقد رؤية الإخلاص فإن من شاهد في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص .
وما ذكره إشارة إلى تصفية العمل عن العجب بالفعل فإن الالتفات إلى الإخلاص والنظر إليه عجب وهو من جملة الآفات .
والخالص ما صفا عن جميع الآفات فهذا تعرض لآفة واحد وقال سهل C تعالى الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وهذه كلمة جامعة محيطة بالغرض وفي معناه قول إبراهيم بن أدهم الإخلاص صدق النية مع الله تعالى .
وقيل لسهل أى شىء أشد على النفس فقال الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب وقال رويم الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عليه عوضا في الدارين .
وهذا إشارة إلى أن حظوظ النفس آفة آجلا وعاجلا .
والعابد لأجل التنعم بالشهوات في الجنة معلول بل الحقيقة أن لا يراد بالعمل إلا وجه الله تعالى وهو إشارة إلى إخلاص الصديقين وهو الإخلاص المطلق .
فأما من يعمل لرجاء الجنة وخوف النار فهو مخلص بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة وإلا فهو في طلب حظ البطن والفرج وإنما المطلوب الحق لذوى الألباب وجه الله تعالى فقط وهو القائل لا يتحرك الإنسان إلا لحظ والبراءة من الحظوظ صفة الإلهية ومن ادعى ذلك فهو كافر .
وقد قضى القاضى أبو بكر الباقلانى بتكفير من يدعى البراءة من الحظوظ وقال هذا من صفات الإلهية وما ذكره حق ولكن القوم إنما أرادوا به البراءة عما يسميه الناس حظوظا وهو الشهوات الموصوفة في الجنة فقط فأما التلذذ بمجرد المعرفة والمناجاة والنظر إلى وجه الله تعالى فهذا حظ هؤلاء وهذا لا يعده الناس حظا بل يتعجبون منه .
وهؤلاء لو عوضوا عما هم فيه من لذة الطاعة والمناجاة وملازمة السجود للحضرة الإلهية سرا وجهرا جميع نعيم الجنة لاستحقروه ولم يلتفتوا إليه فحركتهم لحظ وطاعتهم لحظ ولكن حظهم معبودهم فقط دون غيره .
وقال أبو عثمان الإخلاص نسيان روية