الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط .
وهذا إشارة إلى آفة الرياء فقط ولذلك قال بعضهم الإخلاص في العمل أن لا يطلع عليه شيطان فيفسده ولا ملك فيكتبه فإنه إشارة إلى مجرد الإخفاء .
وقد قيل الإخلاص ما استتر عن الخلق وصفا عن العلائق .
وهذا أجمع للمقاصد .
وقال المحاسبى الإخلاص هو إخراج الخلق عن معاملة الرب .
وهذا إشارة إلى مجرد نفى الرياء .
وكذلك قول الخواص من شرب من كأس الرياسة فقد خرج عن إخلاص العبودية .
وقال الحواريون لعيسى عليه السلام ما الخالص من الأعمال فقال الذى يعمل لله تعالى لا يحب أن يحمده عليه أحد .
وهذا أيضا تعرض لترك الرياء وإنما خصه بالذكر لأنه أقوى الأسباب المشوشة للإخلاص .
وقال الجنيد الإخلاص تصفية العمل من الكدورات .
وقال الفضيل ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
وقيل الإخلاص دوام المراقبة ونسيان الحظوظ كلها .
وهذا هو البيان الكامل والأقاويل في هذا كثيرة ولا فائدة في تكثير النقل بعد انكشاف الحقيقة .
وإنما البيان الشافى بيان سيد الأولين والآخرين A إذ سئل عن الإخلاص فقال أن تقول ربى الله ثم تستقيم كما أمرت // حديث سئل عن الإخلاص فقال أن تقول ربى الله ثم تستقيم كما أمرت لم أره بهذا اللفظ وللترمذى وصححه وابن ماجه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفى قلت يا رسول الله حدثنى بأمر أعتصم به قال قل ربى الله ثم استقم وهو عند مسلم بلفظ قل لى في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم // أى لا تعبد هواك ونفسك ولا تعبد إلا ربك وتستقيم في عبادته كما أمرت وهذا إشارة إلى قطع ما سوى الله عن مجرى النظر وهو الإخلاص حقا .
بيان درجات الشوائب والآفات المكدرة للإخلاص .
اعلم أن الآفات المشوشة للإخلاص بعضها جلى وبعضها خفى وبعضها ضعيف مع الجلاء وبعضها قوى مع الخفاء ولا يفهم اختلاف درجاتها في الخفاء والجلاء إلا بمثال .
وأظهر مشوشات الإخلاص الرياء فلنذكر منه مثالا .
فنقول الشيطان يدخل الآفة على المصلى مهما كان مخلصا في صلاته ثم نظر إليه جماعة أو دخل عليه داخل فيقول له حسن صلاتك حتى ينظر إليك هذا الحاضر بعين الوقار والصلاح ولا يزدريك ولا يغتابك فتخشع جوارحه وتسكن أطرافه وتحسن صلاته وهذا هو الرياء الظاهر ولا يخفى ذلك على المبتدئين من المريدين .
الدرجة الثانية يكون المريد قد فهم هذه الآفة وأخذ منها حذره فصار لا يطيع الشيطان فيها ولا يلتفت إليه ويستمر في صلاته كما كان .
فيأتيه في معرض الخير ويقول أنت متبوع ومقتدى بك ومنظور إليك وما تفعله يؤثر عنك ويتأسى بك غيرك فيكون لك ثواب أعمالهم إن أحسنت وعليك الوزر إن أسأت فأحسن عملك بين يديه فعساه يقتدى بك في الخشوع وتحسين العبادة وهذا أغمض من الأول وقد ينخدع به من لا ينخدع بالأول وهو أيضا عين الرياء ومبطل للإخلاص فإنه إن كان يرى الخشوع وحسن العبادة خيرا لا يرضى لغيره تركه فلم لم يرتض لنفسه ذلك في الخلوة ولا يمكن أن تكون نفس غيره أعز عليه من نفسه فهذا محض التلبيس بل المقتدى به هو الذى استقام في نفسه واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره فيكون له ثواب عليه