ولكن انضاف إليه خطرة من هذه الخطرات حتى صار العمل أخف عليه بسبب هذه الأمور فقد خرج عمله عن حد الإخلاص وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله تعالى وتطرق إليه الشرك .
وقد قال تعالى أنا أغني الشركاء عن الشركة وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قل أم كثر إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه .
والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس .
فلذلك قيل من سلم له من عمره لحظة واحده خالصه لوجه الله نجا وذلك لعزة الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب بل الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى .
وهذه الحظوظ إن كانت هي الباعثة وحدها فلا يخفي شدة الأمر على صاحبه فيها وإنما نظرنا فيما إذا كان القصد الأصلي هو التقرب وانضافت إليه هذه الأمور ثم هذه الشوائب إما أن تكون في رتبة الموافقة أو في رتبة المشاركة أو في رتبة المعاونة كما سبق في النية وبالجملة فإما أن يكون الباعث النفسى مثل الباعث الدينى أو أقوى منه أو أضعف ولكل واحد حكم آخر كما سنذكره وإنما الإخلاص تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها قليلها وكثيرها حتى يتجرد فيه قصد التقرب فلا يكون في باعث سواه .
وهذا لا يتصور إلا من محب لله مستهتر بالله مستغرق الهم بالآخرة بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه قرار حتى لا يحب الأكل والشرب أيضا بل تكون رغبته فيه كرغبته في قضاء الحاجة من حيث إنه ضرورة الجبلة فلا يشتهى الطعام لأنه طعام بل لأنه يقويه على عبادة الله تعالى ويتمنى أن لو كفى شر الجوع حتى لا يحتاج إلى الأكل فلا يبقى في قلبه حظ من الفضول الزائدة على الضرورة ويكون قدر الضرورة مطلوبا عنده لأنه ضرورة دينه فلا يكون له هم إلا الله تعالى .
فمثل هذا الشخص لو أكل أو شرب أو قضى حاجته كان خالص العمل صحيح النية في جميع حركاته وسكناته فلو نام مثلا حتى يريح نفسه ليتقوى على العبادة بعده كان نومه عبادة وكان له درجة المخلصين فيه ومن ليس كذلك فباب الإخلاص في الأعمال مسدود عليه إلا على الندور وكما أن من غلب عليه حب الله وحب الآخرة فاكتسبت حركاته الاعتيادية صفة همه وصارت إخلاصا فالذى يغلب على نفسه الدنيا والعلو والرياسة وبالجملة غير الله فقد اكتسبت جميع حركاته تلك الصفة فلا تسلم له عباداته من صوم وصلاة وغير ذلك إلا نادرا فإذن علاج الإخلاص كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب فإذا ذاك يتيسر الإخلاص .
وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ويكون فيها مغرور لأنه لا يرى وجه الآفة فيها كما حكى عن بعضهم أنه قال قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد في الصف الأول لأنى تأخرت يوما لعذر فصليت في الصف الثانى فاعترتني خجلة من الناس حيث رأونى في الصف الثانى فعرفت أن نظر الناس إلى في الصف الأول كان مسرتى وسبب استراحة قلبى من حيث لا أشعر .
وهذا دقيق غامض قلما تسلم الأعمال من أمثاله وقل من يتنبه له إلا من وفقه الله تعالى والغافلون يرون حسناتهم كلها في الآخرة سيئات وهم المرادون بقوله تعالى وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا وبقوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأشد الخلق تعرضا لهذه الفتنة العلماء فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء والفرح بالاستتباع والاستبشار بالحمد والثناء والشيطان يلبس عليهم ذلك ويقول غرضكم نشر دين الله والنضال عن الشرع الذى شرعه رسول الله A .
وترى الواعظ يمن على الله تعالى بنصيحة الخلق ووعظه للسلاطين ويفرح بقبول الناس قوله وإقبالهم عليه