فلكها الذي هي مركوزة فيه فانه لا نسبة لها إليه وهي في السماء الرابعة وهي صغيرة بالاضافة إلى ما فوقها من السموات السبع ثم السموات السبع في الكرسي كخلقة في فلاة والكرسى في العرش كذلك فهذا نظر إلى ظاهر الأشخاص من حيث المقادير وما أحقر الأرض كلها بالاضافة إليها بل ما أصغر الأرض بالإضافة إلى البحار فقد قال رسول اللهA الأرض في البحر كالاصطبل في الأرض // حديث الأرض في البحر كالاصطبل في الأرض لم أجد له أصلا // ومصداق هذا عرف بالمشاهدة والتجربة وعلم أن المكشوف من الأرض عن الماء كجزيرة صغيرة بالاضافة إلى كل الأرض ثم انظر إلى الآدمي المخلوق من التراب الذي هو جزء من الأرض والى سائر الحيوانات والى صغره بالاضافة إلى الأرض ودع عنك جميع ذلك فأصغر ما نعرفه من الحيوانات البعوض والنحل وما يجري مجراه فانظر في البعوض على قدر صغر قدره وتأمله بعقل حاضر وفكر صاف فانظر كيف خلقه الله تعالى على شكل الفيل الذي هو أعظم الحيوانات إذ خلق له خرطوما مثل خرطومه وخلق له على شكله الصغير سائر الأعضاء كما خلقه للفيل بزيادة جناحين وانظر كيف قسم أعضاءه الظاهرة فأنبت جناحه وأخرج يده ورجله وشق سمعه وبصره ودبر في باطنه من أعضاء الغذاء وآلاته ما دبره في سائر الحيوانات وركب فيها من القوى الغاذية والجاذبة الدافعة والماسكة والهاضمة ما ركب في سائر الحيوانات هذا في شكله وصفاته ثم انظر إلى هدايته كيف هداه الله تعالى إلى غذائه وعرفه أن غذاءه دم الإنسان ثم انظر كيف أنبت له آلة الطيران إلى الإنسان وكيف خلق له الخرطوم الطويل وهو محدد الرأس وكيف هداه إلى مسام بشرة الإنسان حتى يضع خرطومه في واحد منها ثم كيف قواه حتى يغرز فيه الخرطوم وكيف علمه المص والتجرع للدم وكيف خلق الخرطوم مع دقته مجوفا حتى يجرى فيه الدم الرقيق وينتهى إلى باطنه وينتشر في سائر أجزائه ويغذيه ثم كيف عرفه أن الإنسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب واستعداد آلته وخلق له السمع الذي يسمع به خفيف حركة اليد وهى بعد بعيدة منه فيترك المص ويهرب ثم إذا سكنت اليد يعود ثم انظر كيف خلق له حدقتين حتى يبصر موضع غذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه .
وانظر إلى أن حدقة كل حيوان صغير لما لم تحتمل حدقته الأجفان لصغره وكانت الأجفان مصقلة لمرآة الحدقة عن القذى والغبار خلق للبعوض والذباب يدين فتنظر إلى الذباب فتراه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه .
وأما الإنسان والحيوان الكبير فخلق لحدقتيه الأجفان حتى ينطبق أحدهما على الآخر وأطرافهما حادة فيجمع الغبار الذى يلحق الحدقة ويرميه إلى أطراف الأهداب وخلق الأهداب السود لتجمع ضوء العين وتعين على الإبصار وتحسن صورة العين وتشبكها عند هيجان الغبار فينظر من وراء شباك الأهداب واشتباكها يمنع دخول الغبار ولا يمنع الإبصار .
وأما البعوض فخلق لها حدقتين مصقلتين من غير أجفان وعلمها كيفية التصقيل باليدين ولأجل ضعف أبصارها تراها تتهافت على السراج لأن بصره ضعيف فهى تطلب ضوء النهار فإذا رأى المسكين ضوء السراج بالليل ظن أنه في بيت مظلم وأن السراج كوة من البيت المظلم إلى الموضع المضيء فلا يزال يطلب الضوء ويرمى بنفسه إليه فإذا جاوزه ورأى الظلام ظن أنه لم يصب الكوة ولم يقصدها على السداد فيعود إليه مرة أخرى إلى أن يحترق ولعلك تظن أن هذا لنقصانها وجهلها فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها بل صورة الآدمى في الإكباب على الشهوات الدنيا صورة الفراش في التهافت على النار إذتلوح للآدمى أنوار الشهوات من حيث ظاهر صورتها ولا يدرى أن تحتها السم الناقع القاتل فلا يزال يرمى نفسه عليها إلى أن ينغمس فيها ويتقيد بها ويهلك